
سوسن الجزراوي
لا معنى لحوار سياسي لايخدم الا خمسة او عشرة اشخاص !! نعم فالحوارات السياسية انما تكون حتى تنصلح الاحوال وينشأ نوع من الديمقراطية الشفافة التي تتيح الفرص للجميع ، لمعرفة بعضهم البعض ، ومايحملونه من افكار ومناهج ومعتقدات واحلام ، هدفها الأهم هو ترسيخ قواعد الدولة وبناء المنظومة المجتمعية بما يليق باسم الوطن .
ولهذا الانفتاح الفكري ، قدرته الكبيرة على بناء الثقة بين مختلف فئات المجتمع من جهة ، والتشكيلات والأحزاب السياسية من جهة اخرى ، وهذا بلا ادنى شك ، يمكنه أن يعزز الاستقرار السياسي ، ويقلل التوترات والصراعات .
ولاتقف الحدود عند جغرافية الوطن حسب ، بل انها تقود الى المناقشات والمفاوضات بين البلدان أو الكيانات السياسية التي تهدف إلى حل القضايا وتعزيز التعاون ومعالجة المصالح المتبادلة ، اضافة الى نقل الخبرات والتعريف بكل المنجزات التي من شأنها تقديم الافضل في المشهد الحياتي ككل ، ويرى الكثير من الضالعين في ستراتيجيات الحوار ، ان هذه العملية ضرورية لبناء العلاقات وتعزيز التفاهم في العلاقات الدولية ، سواءا داخل الكتل الاقتصادية الرئيسية المهمة او غيرها ، الا ان الاولى تعد الاكثر اهمية ، حيث ترتبط العلاقات ( الاقتصادية) ، ارتباطا وثيقا بالاتفاقات السياسية وماينشئ عنها من ازدهار وانفتاح وتطور على جميع الاصعدة .
ولأن الواقع يتطلب ان تقف كل الاطراف ، وقفة واحدة وتسعى لايجاد الحلول كنتائج ايجابية ، فاننا نرى أن الحوارات انما تكون عاملاً هاماً جداً في تعزيز وارساء قواعد هذه الحلول السلمية لكل المشاكل السياسية العالقة والتي يحاول البعض تأطيرها بجدران صلبة .
وغالباً مايتم هذا ، عبر التفاوض والوساطة والنقاشات الواضحة الشفافة ، كما انه يعزز التفاهم بين مختلف الفئات الاجتماعية ، فالحوارات انما تؤدي الى ارساء دعامات السلم السياسي ، وهذا يشمل ايضا ، اضافة الى الأحزاب السياسية ، المجتمع المدني وكل مؤسساته التي تعتمد اعتماداً رئيسياً على فكرة الحوار .
من ناحية اخرى ، فان الحوار السياسي يلعب دوراً بارزاً في مسألة التعاون بين الدول ، وذلك من خلال توفير منصة لمناقشة المصالح والاهتمامات المشتركة بينهم ، وعبر هذه المناقشات ، تستطيع الدول الوصول الى آليات لحلول الواقع الاقتصادي ، وحل النزاعات من ناحية اخرى ، كما يمكن ايضا وضع بنود ولوائح مشتركة .
والحوارات الرصينة المدروسة المنطقية ، هي تلك التي تأخذ حتى الخصوم للانتقال من الخطابات اللاذعة المبنية على القوة ، إلى النقاشات القائمة على الحقوق ، ومن ثم إلى الحوارات المستندة بشكل ما على المصالح، يُساعدنا على إدراك الأهمية الحاسمة للصراع وإمكانياته الإبداعية، التي تتطلب اختلافًا بنّاءً، ومعارضة سليمة، وتفاوضًا قاعدته التعاون ، وحلًا مبتكرًا للمشاكل ، خدمة للصالح العام مسلح بالكرامة والاحترام، ومجموعة من أدوات التعاون التي لا تتطلب العنف أو الهيمنة .
وبلا شك فان تعزيز الحوار السياسي والوساطة وغيرها من العمليات القائمة على المصالح، وبناء علاقات سياسية أكثر تعاونًا، وتشجيعنا جميعًا على بذل الجهد الشاق المتمثل في التواصل فيما بيننا بشأن القضايا الأكثر أهمية ، له الدور الكبير في ارساء ترسانة السلام العالمي لجميع دول العالم .
واعتماداً على مقولة الديلاي لاما : السلام يعني ان نحل اختلاقاتنا بوسائل سلمية ، عن طريق الحوار ، التعليم والمعرفة ، وهذا يعني بلا جدال ، ان الحوارات تعتمد على وجود ثقافة عامة ومعرفة دقيقة بحيثيات الموضوع المتحاور حوله ، فلا يمكن باي حال من الاحوال ان تتم عملية النقاش السياسي هذا ، دون ان تكون جميع الاطراف المتحاورة ، على قدر كاف من المعرفة والتنوير الفكري ، كي لا يتحول الحديث الى مهاترات تدخل الاطراف جميعها ، في نفق معتم لانور في نهايته ، فالتسلح المعرفي اقوى واامن بكثير من تلك الاسلحة الفتاكة التي تقطع الاوصال وتنشر الويلات في ارض الحياة .