قانون النفط والغاز والخلافات السياسية

د. مهند الخزرجي

أدى استمرار الخلافات السياسية على مدى الحكومات المتعاقبة إلى تعطيل إقرار مشروع قانون النفط والغاز، الذي ظل عالقًا بين رؤى وتصورات القوى السياسية منذ الدورة الأولى للبرلمان عام 2005 وحتى اليوم.

ويعود تأخر إقرار قانون النفط والغاز في مجلس النواب العراقي إلى عدة أسباب وخلافات سياسية ،وقانونية ، واقتصادية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وكذلك بين القوى السياسية داخل البرلمان نفسه. ولعل من ابرز تلك الأسباب هي توزيع الصلاحيات حول من يملك حق إدارة النفط، هل هو الحكومة الاتحادية أم إقليم كردستان؟ خاصة ان الاخير وقع عقودًا مع شركات أجنبية دون موافقة بغداد، ما تسبب في خلافات قانونية حول مدى شرعية هذه العقود. كما لم يتم الاتفاق على نسبة واضحة من الإيرادات التي يجب أن يحصل عليها الإقليم من النفط المصدر.
إلا ان ما يلفت الانتباه ان رغم الفجوة الواضحة بين المركز والإقليم حول قانون النفط والغاز إلا ان لابد الاشارة إلى غياب التوافق بين القوى السياسية المختلفة حول شكل القانون، حيث أن بعض الكتل تريد تعزيز سلطة الحكومة الاتحادية في إدارة الملف النفطي، بينما تطالب أطراف أخرى بمنح المحافظات المنتجة صلاحيات أوسع. اثر كثيرا على تعثر إقرار القانون وقد زاد من ذلك هو قرارات المحكمة الاتحادية العليا، خاصة قرارها في 2022 بعدم شرعية عقود نفط كردستان، وتوقّف تصدير النفط المنتج في حقول إقليم كردستان العراق بعد أن كسبت الحكومة الاتّحادية دعوى كانت رفعتها أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد تركيا بشأن تصدير الخام من تلك الحقول عبر ميناء جيهان التركي خارج سلطة شركة تسويق النفط العراقية سومو. حيث قدر حجم النفط المصدّر قبل توقّفه بنحو 480 ألف برميل يوميا بعوائد مالية تبلغ أكثر من مليار دولار شهريا باحتساب معدل سعر البرميل الواحد عند سبعين دولارا.

ووسط كل ذلك تأتي العوامل الاقتصادية والتقنية سببا اضافيا لعدم صياغة سياسات طويلة الأمد حيث تذبذب أسعار النفط عالميًا جعل بعض الأطراف تفضل تأجيل القانون لمراجعة كيفية الاستفادة القصوى من العائدات النفطية. إضافة إلى ضعف البُنى التحتية والإدارة غير الفعالة للقطاع النفطي .

هل هناك فرصة لتمرير القانون قريبًا؟

قد يُحدث إقرار قانون النفط والغاز تغييرًا جوهريًا في القطاع النفطي العراقي، لا سيما إذا عالج القضايا العالقة بين الحكومة الاتحادية، حكومة إقليم كردستان، والمحافظات المنتجة للنفط.

هناك محاولات حالية للوصول إلى اتفاق سياسي يُمهد لتمرير القانون، خاصة في ظل حاجة العراق إلى تنظيم قطاعه النفطي بشكل أفضل. حيث سيضع القانون خارطة طريق وطنية مستقرة لقطاع النفط، جاذبة للاستثمارات في هذا المجال ويؤسس لسياسة نفطية موحدة. لكن نجاح ذلك يعتمد على مدى استعداد الأطراف المختلفة لتقديم تنازلات والتوصل إلى حلول وسط.

سيعمل تمرير القانون في مجلس النواب العراقي على تنظيم إدارة الموارد النفطية بشكل عادل ، وسيسهم في توضيح دور شركة النفط الوطنية العراقية والجهات الإشرافية الأخرى في إدارة الإنتاج والعقود . كما انه سيعزز ثقة الشركات الأجنبية، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستثمارات في القطاع النفطي وتطوير البُنى التحتية وتحسين الإيرادات والاستفادة من العائدات اضافة انه سيسهم في استقرار سياسي واقتصادي أكبر. إلا انه مقابل تلك الامتيازات لابد من وضع التحديات المستقبلية بسبب تضارب المصالح بين الأحزاب والمحافظات وآلية التنفيذ فحتى لو أُقر القانون، فإن نجاحه يعتمد على جدية الحكومة في تطبيقه وكذلك الالتزامات السابقة مثل العقود التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع الشركات الأجنبية التي قد تخلق إشكاليات في التنفيذ.

شاهد أيضاً

شهر رمضان يدعونا للتكافل الاجتماعي

د. مهند الخزرجي يُعتبر التكافل الاجتماعي أحد القيم الأساسية التي تعزز التماسك المجتمعي وتحقق العدالة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!