حلاوة التسول

عدوية الهلالي

تروي قصة قديمة ان احد ابناء الشيوخ اقدم على قتل شخص فكان رد فعل والد الشخص ان طلب من ابن الشيخ ان يتسول في الاسواق لمدة ثلاثة اشهر كعقوبة له ..وجد اهل القاتل العقوبة قاسية لكنهم اجبروا ولدهم على الخضوع لها وبالفعل ، مارس التسول في الاسواق لمدة ثلاثة اشهر ، وبعد انقضاء الفترة المحددة للعقوبة ، توقع الشيخ أن يعود ولده الى سابق عهده لكنه رفض العودة الى منزل والده وآثر مواصلة التسول في الاسواق بعد ان وجد في التسول مهنة سهلة ومربحة فضلا عن اعتياده على اراقة ماء وجهه متجاهلا كونه ابن شيخ وان مهنة التسول معيبة ومهينة ..

في العراق ، هنالك العديد ممن يتجاهلون اصولهم ويريقون مياه وجوههم في ممارسة التسول بطريقتهم ليس كعقوبة مفروضة عليهم بل لأجل الكسب السريع !!فبعض الاطباء على سبيل المثال تناسوا القسم الذي أدوه بممارسة مهنة الطب بشكل انساني لاوجود للجانب الربحي فيه عدا مايناسب جهدهم ، فبدأوا يستغلون علمهم في استغلال المواطنين ، وصارت اجور الفحص لديهم في العيادات الطبية ترتفع تدريجيا بشكل غير مسبوق لتصبح زيارة العيادات الطبية الخاصة نوعا من الترف ، فضلا عن اتفاقهم مع صيدليات معينة لصرف الادوية التي يكتبونها لمرضاهم وبأجور خيالية ، أو اجراء عمليات جراحية لايكون لبعضها ضرورة في مستشفيات خاصة تستنزف المرضى وتنعش الاطباء …

اما في الوزارات والمؤسسات الحكومية فيتخذ التسول ملامحا اخرى حين يطالب الموظفون الكبار بعمولات مقابل تمرير عقود او صفقات حكومية او استثمارية ، ويريق الموظفون الصغار ماء وجوهم عن طيب خاطر بالمطالبة بمبالغ باهضة لقاء تعيين موظفين جدد او تمرير معاملات معينة ..ولايفوت المسؤولين الكبار استغلال الفترة المحددة لتمتعهم بمناصبهم في تحصيل كل ماتقع عليه ايديهم من مكاسب وبكل الوسائل المتاحة لهم لتحسين اوضاعهم المعيشية وضمان مستقبلهم لسنوات طويلة مقبلة ..

ربما كان التسول بالنسبة لأبن الشيخ عقوبة لكنه وجد فيه مكسبا واضعا الحياء والقيم والاصول على الرف ، فكيف اذا كان مكسبا اصلا بالنسبة للمسؤولين واصحاب المهن التي يمكن استغلالها لتحصيل ارباح سريعة وخيالية مقابل وضع الحياء والمباديء على الرفوف ..

عندما تقوم الحكومة الصينية بتعيين شخص ما في منصب رفيع في الدولة فانها تأخذه في جولة تفقدية برفقة عائلته الى السجون ليقوم بمقابلة مسؤولين صينيين سابقين قاموا بأعمال فساد فتم سجنهم وذلك لكي يتأكد ان هذا سيكون مصيره اذا قام بأعمال فساد مستغلا منصبه ..لابد ان السجن يمثل شيئا معيبا وعقوبة صارمة بالنسبة للصينيين والا لما كان درسا لتجنيب الاخرين الغوص في الفساد ..في مايخصنا ، اعتدنا ان نخشى (العيب) اكثر من (الحرام) لكن الحرام صار حلالا منذ ان اصبح الفساد وسيلة مقبولة لدى المتلفعين بدثار الدين ،  والعيب صارشطارة يمارسها كل من يسهل عليه اراقة ماء وجهه لتحصيل مكاسب وارباح اكثر ..ليس مهما اذن أن يعود ابن الشيخ الى والده ليتمسك بالشرف والمباديء او يستعيد الطبيب ذكريات القسم الذي أداه بعد التخرج ، او يتذكر المسؤول القيم والمباديء خلال رحلة تسوله ،ففي التسول السلامة ، وفي الشرف الندامة ..!!!

شاهد أيضاً

ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار

العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …

error: Content is protected !!