عدوية الهلالي
هي أم ليست ككل الامهات فقد فقدت خلال سنوات متقاربة اربعة من أبنائها مابين شهيد ومفقود ومريض بمرض عضال فضلا عن استشهاد حفيدها الأثير مغدورا بايدي ارهابية ، وهو ابن مفقود ليس ككل المفقودين ، فقد ضاع دمه بين القبائل وعجز اهله عن اقتفاء اثره أو العثور على معلومة تدلهم عليه ..ففي عملية تفجير ارهابية لمركز شرطة سامراء قبل سنوات ، استشهد شقيقه مدير مركز الشرطة المستهدف بالتفجير وكان ضمن حمايته الشخصية ولم يجد له اهله اثرا بين القتلى او الجرحى فبدأوا حملة البحث عنه في المستشفيات والمعتقلات والسجون العراقية بكل انواعها دون جدوى ..
قال عنه من شهد الواقعة انه كان حيا بعد التفجير ومصابا في ساقه ..توقع اهله ان يكون مخطوفا من قبل الارهابيين وهذا يعني أن يقطعوا الامل في البحث عنه لكن ورود اسمه في قائمة الجرحى في مستشفى ابن سينا التابع للمنطقة الخضراء منحهم أملا جديدا بكونه حيا ..قيل لهم ان كل جريح تتم معالجته في المستشفى المذكور يجري تسليمه بعدها الى الحكومة العراقية لتبت في أمره ، لكن كل من طرقوا بابه في تلك الحكومة نفى معرفته به ..ولأن والدته الثكلى لن تصدق يوما ان ابنها اختفى من الوجود مالم تدفنه بيديها او تعانقه حيا سليما فقد واصلت عملية البحث عنه وصارت تسأل كل من يخرج من المعتقلات عن اسمه او عن قصص مشابهة لقصته فوقعت ضحية نصب واحتيال من بعضهم وابتزوها بحجة انهم سيدلوها عليه وسيجلبوا لها رسالة او صورة منه تؤكد وجوده ، وقال لها البعض الآخر ان هنالك معتقلين منذ سنوات لايعرف عنهم ذويهم شيئا فلايسمح لهم بالاتصال بهم ولايرد اسمهم في قوائم المعتقلين والسجناء في الحاسبات الالكترونية ومن دون سبب واضح ..
بل سمعت اخبارا مفزعة عن قتل معتقلين وتعذيب بعضهم حد الموت أو اعدام اشخاص معتقلين بدلا من آخرين يتم الافراج عنهم مقابل صفقات مالية كبيرة ..حاولت الأم ألا تصدق كل ماسمعته فماالفرق اذن بين سجون صدام الرهيبة وبين معتقلات يدخلها خليط من مذنبين وأبرياء فيخضع بعضهم لمحاكمات او مساومات ويستنشقون هواء الحرية بعدها أو ينالون عقابا عادلا بينما تغيب أخبار البعض الآخر لسنوات وسنوات حتى يصيب الكلل اهاليهم ويكفون عن البحث عنهم ويصبح الحديث عنهم مطليا بمرارة العلقم فلا هم ضمن الاموات لتكون ذكرياتهم عزاءا لاهلهم ولاهم ضمن السجناء ليتمكنوا من زيارتهم بين الحين والآخر ..
يظل المفقودون اذن اناسا ضبابيين يصعب اقتناص ملامحهم وبناء قصص جميلة عن اللقاء القريب بها او قصص حزينة عن فقدانها الى الأبد ..وتظل الامهات الفاقدات لمثلهم معلقات بخيط امل واه وليس أمامهن الا انتظار مالايأتي ..أليس من الواجب في هذه الحالات أن تحظى عملية ادارة السجون والمعتقلات في البلاد بشفافية تمنح النزلاء جميعا حق التواصل مع ذويهم بغض النظر عن كونهم مذنبين أو أبرياء وان تجري عمليات تفتيش وتدقيق واسعة من قبل المفوضية العليا لحقوق الانسان لرصد مصائر المفقودين واعادة الحياة لمن ينتظرهم بشغف ..