نيويورك تايمز: أطفال الروهينغيا يواجهون “أزمة صحة نفسية”

صوتها – متابعات
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمديرة مكتبها في جنوب شرق آسيا هنا بيتش، حول معاناة أطفال الروهينغيا.
وتبدأ بيتش تقريرها بالحديث عن جوهرة بيغوم، البالغة من العمر 12 عاما، وتقول إن “جوهرة عداءة سريعة، تعدو في أحواض الأرز وقنوات الري، لكن كيف لفتاة صغيرة أن تسابق الرصاص؟”.
ويشير التقرير، إلى أنه عندما هاجم البوذيون والجيش قرى الروهينغيا المسلمين في أواخر شهر آب/ أغسطس، وحرقوا البيوت، وفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة، لم يستطع 14 شخصا من عائلة جوهرة، بمن فيهم والداها وأربعة إخوة، العدو بالسرعة الكافية، وماتوا جميعا بحسب الشهود وجمعيات حقوق الإنسان، التي حققت في المذبحة في بلدة مونغ داو.
وتذكر الصحيفة أن جوهرة أصيبت بينما كانت تعدو في القنال، حيث استقرت الرصاصة في حوضها، ومع ذلك استطاعت هي وأخوها الصغير، خير الأمين، الوصول إلى مكان آمن في جنوب شرق بنغلادش، حيث تؤوي مخيمات اللاجئين أعددا من الروهينغيا أكبر ممن تبقى منهم في ولاية راكين في ميانمار.
وتنقل الكاتبة عن جوهرة، قولها: “لا أزال أرى كوابيس الجيش يلاحقونني.. أستفيق وأتذكر والدي، ثم لا أستطيع النوم لفترة طويلة”.
ويلفت التقرير إلى أن من بين غالبية ألـ 655 ألف شخص من الروهينغيا الذين فروا من ميانمار منذ بدء الحملة ضدهم في أواخر آب/ أغسطس، هناك حوالي 380 ألف قاصر بحسب منظمة “سيف ذي تشلدرن”، وحوالي 30% من عدد اللاجئين أعمارهم تقل عن 5 سنوات.
وتقول الصحيفة: “تجد الأطفال في كل مكان في المخيمات يتدافعون للحصول على مساعدات، أو يشقون طريقهم بين قنوات المجاري وهم يحملون الماء أو الحطب على رؤوسهم، بعضهم يلبس توليفة غريبة من الملابس المتبرع بها، مثل معطف سهرة وسروال كرة سلة قصيرا، والكثير لا يلبس سوى الغبار، وأكثر الأصوات التي تسمعها في مخيمات الروهينغيا هي سعال الأطفال مصحوبا بضيق النفس والشهيق، وآفاق هؤلاء اللاجئين الصغار محبطة، بحسب الخبراء في نمو الأطفال.
وتورد بيتش عن مستشارة الصحة العقلية لدى “سيف ذي تشلدرن” لالو هولدت، قولها: “ما نراه يشكل بيئة مثالية لأزمة كبيرة في الصحة العقلية للأطفال”، وتضيف هولدت: “هناك معاناة من الصدمة على نطاق واسع، حيث رأى الأطفال أعمال القتل الوحشية، وطردوا من بيوتهم بالقوة وليس معهم شيء.. هناك جوع، وهناك أيضا تأخر في التطور بسبب سوء التغذية وقلة التحفيز، وكلها مشكلات سابقة للصدمة، وهي مدمرة لمجتمع بكامله”.
وتتابع هولدت، التي عملت في المخيمات على مدى شهرين، بأن العديد من أطفال الروهينغيا يعيشون في حالة إثارة شبه دائمة من “الحرب أو الفرار”، وهي حالة من الضغط الكبير الذي يمكنه تغيير خارطة الدماغ.
ويجد التقرير أنه مع ذلك، فإن الأطفال الذين استطاعوا الوصول إلى المخيمات هم المحظوظون، حيث تقدر منظمة “أطباء بلا حدود” عدد أطفال الروهينغيا الذين قتلوا في ميانمار بأنه لا يقل عن 730 طفلا، تصل أعمار بعضهم إلى 5 سنوات وذلك في أواخر آب/ أغسطس وأواخر أيلول/ سبتمبر، معظمهم بالرصاص، بحسب إحصائية نشرت في كانون الأول/ ديسمبر، لافتا إلى أن هناك حوالي 10% من هؤلاء الأطفال حرقوا في بيوتهم، وحوالي 5% ضربوا حتى الموت.
وتفيد الصحيفة بأن “منظمة أطباء بلا حدود” حذرت من أن التقدير متحفظ، وربما قلل من العدد الحقيقي للضحايا، مستدركة بأنه مع أن حكومتي بنغلادش وميانمار تقولان بأنهما ستمضيان في مخطط إعادة اللاجئين إلى مواطنهم في الأسابيع القادمة، إلا أنه لا تتوفر الحماسة بين اللاجئين الروهينغيا للعودة إلى موقع ما سمته الحكومات الغربية التطهير العرقي.
وتنوه الكاتبة إلى أن حكومة ميانمار جردت معظم الروهينغيا من الجنسية، وتعدهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش، مشيرة إلى أن الاحتمال الأقوى هو أن ينشأ مئات الآلاف من أطفال الروهينغيا بلا وطن ولا مأوى، “ليعيشوا حياة من التشرد لا تنذر بخير لشعب عاش جرح عقود من القمع العسكري في ولاية راكين”.
وينقل التقرير عن المتحدث باسم اليونيسيف في كوكس بازار في بنغلادش بنيامين ستينليتشنر، قوله: “كانت هناك أزمات أخرى حديثة في أماكن مثل الكونغو، حيث رأى الأطفال عائلاتهم تذبح أمامهم، أو امهاتهم تغتصب.. لكن حجم ما حصل مع الروهينغيا أكبر بكثير مما رأيناه في أماكن أخرى، ولا ندري كيف سيستطيع هؤلاء الأطفال التعامل مع هذه الصدمة”.
وبحسب الصحيفة، فإن عمال الإغاثة في المخيمات في بنغلادش مشغولون بأمور الموت والحياة إلى الآن، وتقول اليونيسيف إن 7% من الأطفال في المخيمات يعانون من سوء تغذية حادة، وهو ما سيؤدي إلى وفاتهم ما لم يحصلوا على العناية المناسبة، وذلك الرقم يشكل ثلاثة أضعاف غيره من حالات الطوارئ الإنسانية مؤخرا.
وتبين بيتش أنه “حتى مع مضاعفة المنظمات الدولية لجهود الإغاثة، فإن الآباء في المخيمات يدورون وهم يحملون رضعا قد هزلت أجسادهم، وجحظت عيونهم من وجوه قد بانت فيها عظام الجمجمة، والأطفال الذين يظهرون وكأنهم في الثالثة أو الرابعة من العمر يتبين أنهم في السادسة أو السابعة من العمر، مع أن نظرتهم تظهر قسوة بالغة”.
ويفيد التقرير بأنه تتفشى في المخيمات المكتظة، التي تضم أكثر من 800 شخص مع الموجة الأخيرة من الهجرة، الأمراض المعدية، مثل الحصبة والدفتيريا، لافتا إلى أن 60% من آبار الماء في مناطق إقامة اللاجئين تلوثت بتسرب مواد برازية إليها؛ بسبب إنشاء مراحيض بالقرب من مصادر مياه الشرب، والأطفال هم الأكثر تأثرا بالأمراض التي تنتشر في المخيمات.
وتقول الصحيفة إنه في عيادة لأطباء بلا حدود بالقرب من كوتوبالونغ، الذي يعد أكبر مخيم لاجئين في العالم، تستلقي نور قادر (4 سنوات)، حرارتها مرتفعة، وتعاني من ضيق النفس بسبب الحصبة والالتهاب الرئوي، ويقول والدها، ابو البشر، بأن طفلين آخرين من أطفاله يعانيان من المرض، لكن التكلفة والجهد الكبيرين لإحضارهما للعيادة منعاه من ذلك، ويضيف الأب: “لا أدري ما هي هذه الأمراض.. ولا أدري كم من أطفالي سيموتون”.
وتشير الكاتبة إلى أن التداعيات على الأمد الطويل لأطفال الروهينغيا مخيفة، فسوء التغذية لا يؤثر فقط على النمو الجسدي، بل على النمو العقلي أيضا، وقليل من الشباب في المخيم من يعرف عمره، لافتة إلى أن معظم الأطفال اللذين فروا إلى بنغلادش عانوا من صدمة كبيرة، سواء بمشاهدتهم لأقربائهم يقتلون، أو بانتظار اقتحام الجيش لقراهم، أو حتى من سماع القصص حول المذابح، وهو أمر منتشر بشكل كبير في المخيمات.
وينقل التقرير عن محمد اسماعيل، البالغ من العمر 13 سنة، الذي قتل معظم أفراد عائلته في قرية في شمال مونغداو، قوله: “عندما وصلنا إلى بنغلادش، شرحت جدتي كيف تم تقطيع والدي حتى الموت.. ولا يمكن لي أن أنسى في حياتي ما أخبرتني به”.
وتلفت الصحيفة إلى أن المعاناة بدأت قبل الحملة العسكرية الأخيرة بكثير، حيث أن أطفال الروهينغيا لم يحصلوا لسنوات على حقهم في التعليم أو الصحة، والجامعات محظورة عليهم، مشيرة إلى أن محمد رفيق كان يتخصص في التاريخ في جامعة سيتوي في عاصمة الولاية، لكنه اضطر لترك دراسته عندما انفجرت الأزمة بين المسلمين الروهينغيا والبوذيين الراكين عام 2012، بعد أن تم نقل الروهينغيا إلى مخيمات، أو منعوا من مغادرة قراهم.
وتورد بيتش عن رفيق، قوله في الوقت الذي كان يجلس فيه خارج خيمته في مخيم بالوخالي في بنغلادش: “ليس لدينا تعليم أو فرص عمل في ولاية راخين.. ليس هناك مستقبل لشباب الروهينغيا”.
وبحسب التقرير، فإنه بسبب منعهم من المدارس الحكومية، فإن العديد من أطفال الروهينغيا ذهبوا إلى مدارس إسلامية خاصة، لكن بعد الهجوم الذي قام به متمردون ضد الشرطة في ميانمار العام الماضي قام الجيش بإغلاق تلك المدارس.
وتنقل الصحيفة عن حسين، وهو إمام مسجد في بلدة تونغ بازار، الذي أغلقه الجيش، قوله: “إن كنا لا نستطيع تعليم الإسلام لأطفالنا، فلن يُترك لنا شيئا لنورثه إياهم”، وقام حسين بعد وصوله إلى بنغلادش بأسبوعين بفتح مسجد مؤقت، بربط أعواد الخيزران وتغطيتها بالنايلون، حيث يقوم بتدريس الأطفال بين الصلوات.
وتستدرك الكاتبة بأن الخبراء يخشى من التطرف “الإسلامي”، حيث أن الكثير من هذه المدارس المؤقتة، التي تلقت دعما من مجموعات متطرفة محلية أو من الشرق الأوسط، قد تصبح مراكز تعليم للتطرف.
وينوه التقرير إلى أن المشكلة الأخرى التي يعاني منها أطفال الروهينغيا هي استخدامهم عمالة، حيث عمل الأطفال في مجتمعات ميانمار كلها، فبعد أن يتعلم الطفل المشي يتوقع منه العمل في نقل الماء والحطب وفي حقول الأرز، مشيرا إلى أن هناك حوالي 5600 بيت في المخيمات في بنغلادش اليوم يعيلها أطفال، بحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول ستينليتشنر من اليونيسيف إن “الأطفال والمراهقين عرضة للاتجار بهم، سواء للاستغلال الجنسي أو للخدمة المنزلية، الآن نحن منشغلون بإيصال المعونات، لكننا ندرك أن الاتجار بهم يتم بشكل واضح”.

شاهد أيضاً

العمل تنظم بازاراً خيرياً لدعم الشرائح الهشة في المجتمع

نظمت قسم المنظمات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بازاراً خيرياً بالتعاون مع مؤسسة رواد الخير …

error: Content is protected !!