عصمت شاهين دوسكي
من أهم الأطر الإنسانية في هذا العصر المتقلب المتغير التي تجلت فيه المادية والأنانية وفي رأيي هو ” جبر الخواطر ” خاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه الهرج والمرج وصناع الحروب والأزمات والخراب والدمار والجراحات والمآسي والمكابدات والمعاناة التي صناعها البشر أو تخلقها الطبيعة الغاضبة من البشر جراء الكوارث والبراكين والزلازل والحرائق والسيول والفيضانات وفي جوهر هذه الأحداث تظهر الرحمة حيث يقول الحديث الشريف : ” ارحموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ”.
أي ارحموا جميع من في الأرض حتى يرحمكم من في السماء ولا شك إن الرحمة وجبر الخواطر مرتبطة برحمة الإنسان بأخيه الإنسان فالرحمة وجبر الخواطر نعمة عظيمة من أساسيات الوجود والتعايش والتواصل ، فما بالك بمن تعمى قلوبهم فيظلم أخيه الإنسان بشتى الطرق والأساليب الكيدية بل يسرق الميراث والبساتين والأراضي بالتزوير حينا وبتغير الأوراق والأسماء وإحضار شهود الزور حينا آخر ،ويسرق مال اليتيم ليبني من خلاله قصرا آيل للسقوط أخلاقيا أو عمارة عالية يظن إنه سيمسك السماء ،مثل هؤلاء في عالم غائر بالأنانية المدهمة ربما يسألني سائل كيف نجبر خواطر الآخرين ..؟ وقد يكون سؤالا بديهيا لكنه مهما في جبر الخواطر بأضعف الإيمان ببسمة بكلمة طيبة بفعل إنساني مقدور عليه ماديا أو معنويا بزيارة إيجابية والسؤال والاتصال يزيد من الرحمة والمودة ،هل من الممكن أن يبدأ الإنسان بنفسه أن يجبر خاطره ؟ نعم في أشد الأزمات التي يمر بها أن لا يفكر بسلبية فالطاقة السلبية تجذب طاقة سلبية أخرى وهكذا ،وهذه من تجربة وقعت لي في الموصل حينما قصف بيتي وسيارتي وأرشيفي الأدبي في عمليات تحرير الموصل من داعش عام 2017م بالخطأ وقدموا لي اعتذارا ولكن ماذا يفيد الاعتذار بعد الخراب والدمار ..؟ غمضت عيون القريبين مني ولم أغمض عيوني حاولت أن أواجه الموقف وأنا أرى خراب ودمار وأطلال بيتي ولم أفكر كيف سأبني بيتاً أخر من الصفر لأني حمدت الله إننا سالمون وما زلنا أحياء وما يكتبه الله لا مهرب منه ، هذه الطاقة الإيجابية الإيمانية بالكون والوجود والحياة تخفف من هول الحدث والأزمة ، أي لا تزيد الأزمة بأزمات نفسية أخرى بأفكار سلبية بل هون على نفسك وخفف من وقع الصدمة فالإيمان بقدر الحدث سبيل لعبور الأزمة ونجاة من كوارث إنسانية أخرى ، لعلنا لا نرى تأثير جبر الخواطر لكن علينا أن ندرك كل ما تهبه يعود إليك مضاعفة فكلما أعطيت أكثر يعود إليك أكثر وأكثر إن كنت تدري أو لا تدري فصور عودة العطاء كثيرة منها نجاتك من حادث ما أو تسخير الناس لك صحتك دوام رزقك وصور كثيرة أخرى ، كذلك من تواضع لله رفعه الله فالتواضع ليس ضعف بل قوة ،تأتي الضعفاء وتزورهم وتعود المرضى بلقائهم وتشهد الجنائز وتزور وتسأل عن أحوال الأصدقاء والأصحاب والأقرباء وتسلم على الصبيان وتمسح برؤوسهم وجاء في الحديث الشريف ” من نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيه ” فلا تنتقم لنفسك بأبشع الأشياء وأخس سلوك وأبغض انفعال ولا تضرب خادما سخره الله لك ، لا تكسر قلب لا تجرح إنسانا لا تؤذي نفسا لا تعبث بأرواح الآخرين بمشاعرهم بإحساسهم بعواطفهم كلنا كلمة ، كلمة تحيينا وكلمة تقتلنا ، موقف يرتقي بنا وموقف يدمرنا شعور قاسي وصعب أن يعود الإنسان مكسور الخاطر حزين ، أحسن كافئ كرم اجبر الخواطر وتناول الطعام مع الجميع وجالس المساكين وكن عونا للأرملة والثكلى واليتيم وصاحب حاجة وابدأ أنت السلام بمن تلاقيه هذه الأمور تقوي من أواصر المجتمع وترتقي بالإنسانية وتنشر الوعي فما أجمل مجتمع يتحلى بالكرم والتماسك والتواضع الذي يملأه الخير والمحبة ويعم فيه السلام والعدل والأمن والأمان ويعيش فيه الناس بالسكينة والطمأنينة والمودة والرحمة والمحبة وجبر الخواطر .
• حب الذات شعور طبيعي لكن محبتنا ومساعدتنا للآخر من صميم محبتنا لذاتنا ومجرد كلمة طيبة قد تشفي الصدور وتفرح القلوب ويشعر الإنسان بالسعادة وتجبر خاطره ، علينا أن نحرص دائما على تقديم العون للآخرين بإمكانياتنا البسيطة أو الكبيرة ونحاول مساعدتهم على الوقوف بعد كل سقوط بعد كل أزمة .. وهذا لمسته حينما لجأت إلى دهوك بعد دمار بيتي وكنت صفر اليدين ” معنويا وعمليا ” ومنهم المهندس الكبير سربست ديوالي أغا الذي أجر لي ولعائلتي مكانا ” شقة ” لمدة سنتين واهتم بتفاصيل حياتي المعيشية وكذلك معنويا الدكتور حميد بافي الذي يعتبر أول شخص قابلني في مدينة دهوك والأديب بدل رفو الذي كتبت عنه كتابا بعنوان ” سندباد القصيدة الكوردية في المهجر ” وطبع في سوريا . ولا أنسى الباحث في الشؤون الشرق أوسطية الأستاذ المغترب ” سردار سنجاري ” الذي طبع روايتي ” الإرهاب ودمار الحدباء – في دهوك ” والأديب والإعلامي الكبير احمد لفته علي الذي كتب دراسة ورؤية أدبية عن أعمالي الأدبية ” عصمت الدوسكي القلم وبناء فكر الإنسان وطبعه في دهوك ” وكذلك الإعلامية التونسية هندة العكرميوالأديبة السورية كلستان المرعي والكاتب أنيس ميرووالمصمم والتشكيلي الكيبير نزار البزاز الذي صمم معظم أغلفة كتبي والفنان المغترب سالم كورد وغيرهم الكثير لا يطلبون ذكر أسماءهم اذكرهم وأنا في عمر الخمسينات ليس للشهرة بل وفاء لهم ،الذين عرفوا بأسلوبهم وأعمالهم ووجودهم كيف يلتمسون جبر الخاطر في أشد أزمات الإنسانية وهم مثالا حياَ يقتدى بهم . فالسعادة الحقيقية أن تجبر خاطر الآخر حينما يكون في أشد الحاجة إليها وترسم على وجهه السعادة هكذا إذا أردت أن تكون مجبور الخاطر حاول أن تتعلم كيف تجبر خواطر الناس لأنه طريق السابقين فما جبر قلوب الناس أحد مثل الأنبياء والرسل والأولياء والعظماء في تجسيد الإنسانية الناجحين الواثقين من أنفسهم فما أعظمه من أسلوب وخلق وارتقاء عمل وفعل في طريق الحياة السليمة ومنهج لبناء وتقدم وتطور المجتمع.