كتب انغير بوبكر –
اجرت جريدة الاكسبريس الفرنسية في عددها 3342 لشهر يوليوز 2015 استجوابا استثنائيا مع المفكر الهندي سلمان رشدي ، صاحب كتاب آيات شيطانية (كتاب خلق ضجة كبيرة في العالم بعد صدوره واصدر مفتي الخميني فتوى شهيرة بهدر دمه) ، حيث تناول الاستجواب نظرته الى الحركات المتطرفة الارهابية مثل داعش والقاعدة وموقفه من الاسلام والمسلمين ونظرته للعالم بعد الاحداث الكبيرة التي حدثت في العالم بعد سقوط المعسكر الاشتراكي وبروز حركات الاسلام الجهادي والتطورات التي يعرفها حقل التطور التكنولوجي والتقني وتأثير ذلك كله على نظام القيم والاخلاق ونظرة المثقفين والكتاب الى هذه التغيرات الدراماتيكية التي تعتمل العالم .
في مقدمة الملف الذي اعدته الاكسبريس الخاص بسلمان رشدي اكد كريستوف باربيي (christophe barbier)مايلي : “بدون ان نعلم ، ادخلنا هذا الانسان المفكر في القرن الواحد والعشرين منذ سنة 1989 في وقت سقوط جدار برلين وبداية انهيار الامبراطورية السوفياتية واغتيال الصين لحلم الديموقراطية بسبب الدم المهدور في التيانمين … في 14 فبراير اذاع راديو طهران فتوى القتل الشهيرة ضد سلمان رشدي وتعهد الخميني بمكافأة سخية لكل من استطاع قتل سلمان رشدي لانه نشر في شتنبر 1988 كتابا مثير للجدل حول نبي الاسلام . هذا الكتاب اثار ضجة عالمية ألهبت العالم الاسلامي فتم حرق العديد من المكتبات وقتل مترجم الكتاب باليابانية وقتل 37 شخص اثناء حريق شب بعد مظاهرات ضد المترجم التركي ” مايهمنا في الاستجواب هو ان نستطلع افكار واراء الرجل بعدما جرت مياه كثيرة وتغيرت معالم كبيرة في جغرافية الفكر والسياسة.
حدثت ضجة كبيرة سنة 2015 عندما قرر مركز امريكي pen american centre تكريم المجلة الفرنسية الشهيرة شارلي ايبدو بوسام الشجاعة وحرية التعبير ،(معلوم ان عدد من صحفي جريدة شارلي ايبدو تم الهجوم عليهم في مقر عملهم وتم تصفية عدد كبير منهم من قبل جماعات ارهابية متطرفة ، يرجح ان تكون تابعة لداعش) فقرر عدد من الكتاب والمفكرين البلاغ عددهم 200 توقيع عريضة ضدا هذا التكريم ، لكن سلمان رشدي قلل من الامر واعتبر عدد الموقعين على العريضة “200 موقع ” هامشي مقارنة مع مجموع عدد اعضاء نادي pen club البالغ عددهم 5000 كاتب ومؤلف.
وفي دفاعه عن هذا التكريم قال سلمان رشدي بان جريدة شارلي ايبدو ليست عنصرية ضد المسلمين كما يروج ذلك البعض ودليله على ذلك ان احصائية هامة لجريدة لوموند الفرنسية اكدت ما يلي : عدد الافتتاحيات التي تناولت موضوع الاسلام 7 من اصل 523 افتتاحية لشارلي ايبدو طيلة عشر سنوات والباقي يهم اسرائيل والجبهة الوطنية وساركوزي و العنصرية في الفرنسية والنخب الحاكمة.. في جوابه عن سؤال المجلة : هل تغير شيئ ما في العقليات منذ الايات الشيطانية الى اليوم ؟: يقول المفكر سلمان رشدي ، للاسف الشديد كنا نعتقد ان الحملة الشرسة التي جوبهت بها الايات الشيطانية والمحنة التي مرت بها حرية الراي والتعبير انذاك ، ستجعل مساحة الحرية تربح مساحات كبيرة ، لكن للاسف كان هناك اتجاه غربي يفضل التضحية بحرية الرأي والتعبير والتفكير وذلك باعتماد توافقات وتراجعات خطيرة.لماذا ؟ : هناك تراجع مهول للوضع الثقافي ولادوار المثقفين دوليا ، وانتشر الخوف من الكلمة الحرة ؟، و انتصر صوت الكلاشينكوف ودوي القنابل أعلى من صوت المثقفين، امس كان اليمين الاوروبي المحافظ الئي تمثله مارغريت تاتشر واليمين الاوروبي عموما مهادنا لقمع الحريات ، ساكتا خنوعا للحفاظ على مصالحه الاقتصادية والسياسية ، اليوم للاسف الشديد التحق اليسار الاوروبي بموجة المتواطئين مع الانظمة القمعية ومع الحركات الارهابية واصبح اليسار الاوروبي الحكومي مقتنعا بالمساومة على الحرية وحقوق الانسان ومهادنة الارهاب الفكري.
يقول رشدي بان هناك رفض لفهم امرين اساسيين : الاول اننا نعيش مرحلة حالكة “sombre”غير مسبوقة حيث ان مايحدث في العالم بعد ظهور التنظيم الارهابي داعش امر جلل وخطير لان حرية العالم اصبحت مرهونة ومقيدة بازواء واهواء تنظيمات لا دولتية يمكن ان تمس امن واستقرار الشعوب في أي مكان وزمان ، والامر الثاني ان الارهابيين يستهدفون المسلمين قبل الغربيين ، عدد ضحايا المسلمين اكبر بكثير من عدد الغربيين لذلك الارهاب يسائل الجميع ومواجهة التطرف الاسلامي لا يعني بتاتا مواجهة الاسلام او المسلمين هذا التمييز ضروري بل يعني بالعكس الدفاع عنهم، لذلك يرى سلمان رشدي ان الخلط بين الارهاب والاسلام لا يخدم مصلحة دعاة الديموقراطية وحقوق الانسان ، الاسلام ضحية من ضحايا الارهاب كما الغرب .
اما عن الفرق بين العنف والتطرف في سنوات صدور الايات الشيطانية واليوم ، فازدياد حدة التطرف وتراجع الحريات الفكرية ، يرجع في جزء كبير منه الى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها بشكل فظيع من طرف الجهات المتطرفة ، يمكن تشبيه ذلك بطاعون البير كامو (la peste de CAMUS) اومسرحية (Rhinoceros de Ionesco) .
انتشار داعش والارهاب بصفة عامة حسب سلمان رشدي يتحمل فيه الغرب مسؤولية كبيرة ، حيث اخطاء مغامرة بوش في العراق وما تلاها من تفتيت العراق وتشتيته ودعم نظام طائفي بغيض فيه والخطأ الاستراتيجي الاساسي هو الدعم اللامشروط للانظمة الوهابية مقابل الاستفادة من ثرواتها البترولية ، بدون البترول كانت الوهابية حركة دينية صغيرة ولكن بفضل الثروات النفطية اصبح للوهابية اجنحة تطير بها الى كل اصقاع العالم ناشرة فكرا متطرفا يخيف الجميع ويهدد استقرار الامم والشعوب.
ياسف سلمان رشدي لحال مدن تاريخية كانت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي منارات للتنوير والفكر الحر ، اصبحت اليوم مرتعا للارهاب والتطرف مثل طهران وبيروت ودمشق… لكن بلغة ماركسية غرامشية لابد من النظر الى المستقبل بتشاؤم المثقف وتفاؤل الارادة .
فبالارادة انهزمت النازية في المانيا رغم قوة وجبروت هتلر وبالارادة الحرة الواعية انتصرت الثورة الفرنسية وانبلج عصر الانوار ، الكل قابل للتحول والتغيير في هذا العالم ، لكن هذا الكل رهين بالتضحيات والصمود في طريق مليء بالاشواك والعقبات. حوار المفكر الهندي سلمان رشدي طويل ويحمل افكارا مهمة واصيلة حول ادوار المثقفين ودور الكتاب والمفكرين ، في هذه المرحلة الدقيقة من العالم ، لكن الاساسي في الحوار انه حمل اوروبا وامريكا جزءا كبيرا من مسؤولية انتشار التطرف والارهاب عبر السكوت عن الانظمة المستبدة وتفريخها للجماعات الارهابية مقابل مصالح اقتصادية وسياسية ، وهذا الاعتراف الهام يجعل مسؤولية المثقفين والسياسيين النزهاء في العالم الحر امام مسؤولياتهم التاريخية في المساهمة في دمقرطة العلاقات الدولية ونشر قيم الديموقراطية وحقوق الانسان ومكافحة الارهاب ، عبر الضغط على حكوماتهم المنتخبة بطريقة ديموقراطية للكف عن مساندة الانظمة الاستبدادية المفرخة للارهاب في العالم.
- باحث في قضايا التنمية والديموقراطية وحقوق الانسان