المهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن”.. احتفاء بمخرجات عربيات مبتدئات من 10 دول

المهرجان الدولي لفيلم المرأة بعيونهن يراهن على المخرجات العربيات المبتدئات
احتضنت هذه الإقامة الفنية مخرجات، متخرجات من جامعات سينمائية ومتكونات تكوينًا أكاديميًا، جئن من 10 دول عربية 

منية الكواش

منية الكواشصحفية من تونس

مخرجات، عربيات شابات، طموحات، قررن الولوج إلى عالم السينما من بابه العريض. جمع بينهن المهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن” ومكّنهن من إقامة فنية تكوينية بخصوصية نسائية، ووفر لهنّ فضاءً آمنًا، جميلًا، بمدينة نابل السياحية ليسمح لهن بالتركيز والاستيعاب.

آمن المهرجان بقدراتهن فالتزم بدعمهن وأشرف على تأطيرهن لمساعدتهن على الإنتاج والبروز في قطاع سينمائي لعلّه يعدّ ذكوريًا بدرجة أولى. زوّدهن بالجديد والمفيد ودرّبهن على تقنية العرض الوجيز وعلّمهن كيف يروّجن لأفلامهن بمفردهن وكيف يقنعن المنتج بأهمية عملهن في وقت وجيز لا يتجاوز خمس دقائق.

المهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن” الذي تنظمه كل سنة الجامعة التونسية لنوادي السينما بمدينة نابل في دورته السادسة المنعقدة من 11 إلى 15 أكتوبر 2025، حافظ على بصمته وخصوصيته السينمائية النسائية

احتضنت هذه الإقامة الفنية مخرجات، متخرجات من جامعات سينمائية ومتكونات تكوينًا أكاديميًا، جئن من عشر دول عربية، حاملات لثقافات وهويات مختلفة، يحدوهن أمل مشترك وهدف موحّد. يشتركن في البدايات وفي التحديات وفي الصعوبات، يحتجن جميعًا إلى طول نفس للبحث عن مصادر تمويل ودعم فني ومادي، فهن متيقنات أن كل إنتاج سينمائي يحتاج إلى تكاليف مالية وإلى دراسة فنية. 

  • مخرجات عربيات يحملن قضايا نسوية ومشاغل نسائية

تحدّثت هاته المخرجات عن القيود الاجتماعية والثقافية التي تحدّ من إبداعهن وتقمع أفكارهن ورغم ذلك نجحن في التعبير عن أفكارهن وقناعاتهن في أفلامهن وعكسن بيئتهن ووضعهن الاقتصادي والاجتماعي  والسياسي وصوّرن تجاربهن الحياتية والشخصية وكتبن عن خصوصياتهن وتطرقن إلى المسكوت عنه وإلى التابوهات في بلدانهن متسلحات بالجرأة والشجاعة، ولعلّ أكبر مثال على ذلك فيلم المخرجة المصرية ملك الصياد الذي تجرأت وطرحت في فيلمها الوثائقي مرضها النسائي والحميمي، ووثقت مراحل تشخيصه ومعالجته وكانت شجاعة وعرضته على المتفرج العربي فبدت متصالحة مع نوعها ومع مجتمعها ومتخلصة من الرقابة الذاتية والداخلية قبل الخارجية. 

احتضنت هذه الإقامة الفنية مخرجات، متخرجات من جامعات سينمائية ومتكونات تكوينًا أكاديميًا، جئن من عشر دول عربية، حاملات لثقافات وهويات مختلفة

وهذه فرح الهاشم، مخرجة من الكويت، متحصلة على ماجستير في الإبداع السينمائي، قدمت للإقامة الفنية، محمّلة بثقافة الكويت التي عرضتها في أفلامها الطويلة والقصيرة، فطرحت مسألة الهجرة والاغتراب وما يمثله النفط والثراء من خطر على الخصوصية والهوية الثقافية الكويتية.

تقرّ فرح الهاشم أنها استفادت من مشاركتها بهذه الإقامة الفنية، فنيًا واتصاليًا فبعدما كانت تبدأ بالتصوير كمرحلة أولى لفيلمها ثم تكتب في مرحلة ثانية، اكتسبت في هذه الإقامة الفنية تجربة جديدة وأصبحت تكتب السيناريو ثم تصوّر. سمحت لها هذه الإقامة الفنية أيضًا بالتحاور وتبادل وجهات النظر مع مخرجات من جنسيات عربية عديدة، وربطت علاقات صداقة معهن، فاتفقن فيما بينهن على أن تأخذ صداقتهن منحى عمليًا ويتواصل تعاونهن في قادم الأيام ويرافقن بعضهن بعضًا للتصوير في بلدانهن.

تحدثت فرح أيضًا عن التعامل الرائع للمشرفين على الإقامة الفنية قائلة:”عشنا أجواء حميمية وعائلية جعلتنا نشعر بالطمأنينة والراحة النفسية مما ساعدنا على الكتابة حتى إنّ والدتي لاحظت ارتياحي من ملامح وجهي”. 

  • مخرجات عربيات عكسن خلفياتهن وهويتهن في أفلامهن 

أما فاطمة جمعة صانعة أفلام، فقد قدمت من لبنان محمّلة بخلفية وسياق مغاير، مثقلة بأوجاع الحرب وهموم السياسة، فقد استشهد صديق زوجها يوم زفافها وغادرها زوجها المصور الصحفي لمواكبة حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول ولم يمر على زفافهما أكثر من أيام ثلاث، أثرت الحرب في حياتها وانعكست على إنتاجها فكل أفلامها تتعلق بالحرب وبالموت وعن الحب والصداقة. مبيّنة: “شاركت في هذه الإقامة الفنية لأني كمخرجة مبتدئة في حاجة إلى تأهيل ودعم لم يتوفر لي في لبنان فهي تعيش سياقًا خاصًا، أثر في كل القطاعات من بينها قطاع السينما الذي تعرّض إلى شرخ وانفصال، فلا وجود لجامعات ونواد سينمائية بلبنان ويقتصر التنسيق على بعض المبادرات الفردية”، وفقها.

فرح الهاشم (مخرجة من الكويت) لـ”الترا تونس”: اكتسبت في هذه الإقامة الفنية تجربة جديدة، وربطت علاقات صداقة مع المشاركات، واتفقنا على أن تأخذ صداقتنا منحى عمليًا ويتواصل تعاوننا عبر مرافقة بعضنا للتصوير في بلداننا

أما نورة علي، المخرجة القادمة من ليبيا لتشارك في الإقامة الفنية وتطور من فيلمها “سيدة البحر” وهو فيلم صورت من خلاله بيئتها وسردت قصصًا استمدتها من ثقافتها وخصوصياتها فتطرقت لعادات المجتمع الليبي الريفي ووثقت ما تعيشه المرأة هناك من قيود تعرقل تقدمها وتطورها وتضطرها في غالب الأحيان للهروب إلى المدينة بحثًا عن الخلاص التي وجدته بطلة فيلمها في البحر التي حرمت منه في بيئتها الريفية. مستطردة: “احتضنتني هذه الإقامة الفنية وساعدتني على تطوير فيلمي ودعمتني بالشكل الذي لم يتوفر لي في بلادي بسبب وضعها السياسي المعقد”.

  • الإقامة الفنية جمعت بين ثقافات عربية مختلفة ومتشابكة

تقول إيمان العربي، من تونس طالبة ماجستير بالمدرسة العليا للسينما والسمعي البصري، إنها استفادت من الإقامة الفنية التي قد نبهتها إلى ضرورة التركيز على خلفية شخصيات الفيلم قبل عرضها على المتفرج ليتسنى له فهمها، مستطردة: “لقد وفرت لي فرصة الالتقاء بمخرجات لهن ثقافات عربية مختلفة ومتشابكة مما أثرى نقاشاتنا ومكننا من الاستفادة من تجارب بعضنا البعض ومن الاطلاع على الصعوبات والعراقيل التي تواجه كل واحدة منا فشجعنا بعضنا بعضًا للنهوض بأفلامنا وتطويرها وفرض تواجدنا في وسط فني تطغى عليه الهيمنة الذكورية”، وفق قولها. 

أشرفت كاتبة السيناريو السينمائي والتلفزي سامية عمامي على تأطير المخرجات العربيات المشاركات في ورشات هذه الإقامة الفنية وها هي تحدّث “الترا تونس” عن هذه التجربة وتصفها بالفريدة والطريفة وذات الخصوصية النسائية إذ جمعت بين مؤطرة امرأة ومؤطرات مخرجات، عرضن عليها مشاريع أفلامهن بمحتوى نسوي ومشاغل نسائية مما طبع الإقامة بنكهة نسوي حضورًا وأفكارًا وفضاء.

سامية عمامي المشرفة عل الإقامة الفنية بالمهرجان الدولي لفيلم المرأة بعيونهن

تقول سامية عمامي: “ليس سهلًا احتواء وفهم احتياجات ورغبات 14 مخرجة كل واحدة قادمة من دولة مختلفة، حاملة في جرابها حلمها وشغفها ونمط حياتها وعاداتها وثقافتها المغايرة، لذلك حرصت أن يكون فضاء لقاءاتنا آمنًا جدًا، تطغى عليه الأجواء العائلية حتى تشعر المخرجات بالطمأنينة ويشتغلن في أريحية ويتصرفن بتلقائية ويتجرّدن من خوفهن فيندمجن ولا يتحرجن في طرح مشاكلهن ونقاط ضعفهن، ويبحن بتفاصيلهن ويتحدثن عن خصوصياتهن”.

سامية عمامي (كاتبة السيناريو المشرفة على التأطير) لـ”الترا تونس”: ليس سهلًا احتواء وفهم احتياجات ورغبات 14 مخرجة كل واحدة قادمة من دولة مختلفة، لكني مكّنتهنّ من أدوات عمل أساسية سيحتجن إليها طيلة مسارهن السينمائي

اختارت المؤطرة سامية عمامي أن تكون واحدة منهن فتعاطفت معهن واقتربت منهن، متخلية عن الطرق التعليمية التنافسية والتقييمية، متجنّبة إصدار الأحكام حتى لا تفرّق بينهن وحتى لا تفضّل واحدة على أخرى. مضيفة أنها مكّنتهنّ من أدوات عمل أساسية سيحتجن إليها طيلة مسارهن السينمائي وعلمتهن أن الفيلم لا يحتاج للصور المركبة فقط بل يحتاج أيضًا وفي مرحلة أولى إلى حكاية وإلى سردية ونبّهتهن إلى ضرورة التركيز في أعمالهن على المتفرج فهو الركيزة الأساسية لكل فيلم.

  • إقامة فنية لتمكين المرأة العربية

تحدّثت الدكتورة منال السويسي، مؤسسة المهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن” لـ”الترا تونس” عن دورها في هذا المهرجان فهي التي بادرت بتأسيسه منذ ترأسها للجامعة التونسية لنوادي السينما بغرض التنوع والتخصص فاختارت له خصوصية نسائية والتزمت بتشجيع ومرافقة المرأة في القطاع السينمائي ومساعدتها على الإبداع والإنتاج لتفرض نفسها في الوسط السينمائي بعدما لاحظت أن وجود المرأة العربية في المشهد السنيمائي لا يزال محتشمًا ولا يزال إنتاجها محدودًا خاصة في مجال صناعة الفيلم الطويل، وفق تعبيرها.

رحمة بن جمعة الفائزة بجائزة  الأفلام القصيرة وبجانبها رئيسة المهرجان الدكتورة منال  السويسي

وقد دفعها هذا لتركيز منصة سينمائية تحتضن النساء السينمائيات المبتدئات وترافقهن وتعرّف بإنتاجهن. مضيفة أنّ المهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن” لا يقتصر على عرض أفلام من إنتاج نسائي بل يحمل أيضًا على عاتقه مهمة توعوية وتحفيزية لتشجيع وحثّ العنصر النسائي على ولوج عالم السينما، مستطردة: “دأب المهرجان على تنظيم إقامة فنية لتأطير ومرافقة المخرجات واستقبل خلال هذه الدورة 14 مخرجة سينمائية، جئن من 10 دول عربية (الكويت، لبنان، الأردن، فلسطين، سوريا، مصر، ليبيا المغرب، الجزائر وتونس). أشرفت على تدريبهن أكاديمية تونسية فأصبحت للإقامة الفنية خصوصية نسائية مائة بالمائة. واستقطبت الإقامة الفنية متخرجات من جامعات سينمائية، متكونات تكوينًا أكاديميًا بغاية تمكينهن، وتكوينهن تكوينًا تطبيقيًا ومساعدتهن على تطوير مشاريعهن ليتميّزن ويتألقن فيفرضن وجودهن في مجال الصناعة السينمائية.

  • يتدربن في الإقامة الفنية ثم يعدن للمهرجان ليعرضن أفلامهن

تختم الدكتورة منال السويسي، مديرة المهرجان قائلة “إن المراهنة على الإقامة الفنية، وجعلها ركنًا قارًا وأساسيًا في دورات المهرجان كان رهانًا صائبًا إذ أفرز نتائج ملموسة تجسّدت بعودة بعض المخرجات المشاركات ليعرضن أفلامهن في الدورة الموالية ويشاركن بها في المسابقة الرسمية”.

منال السويسي (مؤسسة المهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن”) لـ”الترا تونس”: الإقامة الفنية جاءت بعد ملاحظة أن وجود المرأة العربية في المشهد السنيمائي لا يزال محتشمًا ولا يزال إنتاجها محدودًا خاصة في مجال صناعة الفيلم الطويل

حافظ المهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن” الذي تنظمه كل سنة الجامعة التونسية لنوادي السينما بمدينة نابل في دورته السادسة المنعقدة من 11 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول 2025 على بصمته وخصوصيته السينمائية النسائية. فزيادة على الإقامة الفنية التي ضمّت 14 مخرجة مشاركة من دول عربية عديدة، نظم مسابقة في الأفلام القصيرة العربية من إنتاج مخرجات نسائيات.

خصّص المهرجان مسابقة لأفلام قصيرة من إنتاج مخرجات ينتمين إلى ست دول عربية : لبنان، سوريا، تونس، فلسطين، مصر، المغرب والأردن وفازت بجائزة أفضل صورة عن المرأة في الفيلم، المخرجة المصرية ملك الصياد عن فيلمها القصير “قلت لك” وهو فيلم وثائقي ذاتي، سردت فيه المخرجة تجربتها الشخصية وصورت معاناتها مع مرض بطانة الرحم المهاجرة (endométriose).

ملك السيد من مصر الفائزة بجائزة أحسن صورة للمرأة في الفيلم

كما فازت المخرجة التونسية رحمة بن جمعة بجائزة أفضل فيلم مكتمل عن فيلمها “أمل”، وثّقت فيه قصة عائلية حقيقية فصورت معاناة والدتها مع مرض السرطان وما سببه هذا المرض للعائلة من حزن وخوف من الفقد.

نظم المهرجان أيضًا ورشات إبداعية وحوارات لتفكيك الصورة النمطية وللتطرق إلى أسباب هذه الظاهرة السائدة وتداعياتها خاصة على العاملات في القطاع السينمائي وما تتعرض إليه المرأة في مجال السينما من محاولات تحرش واعتداء جنسي تسهله بعض الأدوار الضرورية والمشاهد الجنسية الحميمية التي يفرضها الدور في الفيلم. كما كرّم المهرجان المخرجة سلمى بكار وهي من أبرز الوجوه السينمائية التونسية في الوطن العربي.

شاهد أيضاً

الامان الوظيفي في القطاع الخاص

سوسن الجزراوي في نظرية تكاد تكون الاقرب الى الواقع الذي نعيشه ، يعتقد الكثير ممن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!