“صوت هند رجب” يخاطب الوجدان البشري

فيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية يعيد صياغة الواقع المعاش في فلسطين، ويصوّر ما يواجهه الأهالي من عراقيل وإجراءات بيروقراطية قاتلة، تُعدّ شكلًا من أشكال الإبادة الفردية والجماعية.

حفظ الذاكرة العربية هدف من أهداف أفلام كوثر بن هنية

تحدثت كوثر بن هنية في لقاء صحفي بالعاصمة التونسية عن خصوصية أفلامها، فهي تحرص من خلال إنتاجها السينمائي على حفظ الذاكرة، وعلى إعادة صياغة الواقع لتغييره نحو الأفضل على المستويات الوطنية والعربية والإنسانية. لذلك تجتهد لتقتنص من الواقع مشاهد حية وهامة، تستوحي منها قصة سينمائية تجمع فيها بين الواقعي التوثيقي والخيالي التحليلي. وقد انطلقت في تصوير فيلمها “صوت هند رجب” من تسجيل صوتي حقيقي للطفلة هند هنود، ساعة استنجادها بالهلال الأحمر لإنقاذها من موت وشيك.

أرادت بن هنية من خلال تصوير فيلم “صوت هند رجب” توثيق معاناة الشعب الفلسطيني وما يتعرض له يوميًا من إبادة فردية وجماعية وقهر وآلام وجوع وفقد، كما سبق أن وثّقت أيضًا معاناة الشعب السوري بتصويرها لفيلم “الرجل الذي باع ظهره”، مدفوعة بقناعاتها وأفكارها، مصرحّة: “لا بدّ من عرض سرديتنا العربية وطرح مشاكلنا وتصوير واقعنا علّنا نتجاوز ضعفنا ونتصالح مع ذواتنا ومع حاضرنا ونؤسس مستقبلنا”.

“أنطلق في تصوير أفلامي من إحساس ينتابني”

كشفت المخرجة التونسية كوثر بن هنية عن بعض خصوصياتها وكيف تنطلق لتصوير أفلامها من أحاسيس تنتابها وأفكار تسيطر على ذهنها، متابعة: “ففي فيلم صوت هند رجب، وبعدما استمعتُ للتسجيل الصوتي للطفلة هند هنود وهي تستنجد بالهلال الأحمر لإنقاذها من خطر الموت المحدق بها من كل الجهات، شعرتُ وكأنها تستنجد بي شخصيًا وتطلب مني أن أنقذها. آلمني عجزي كما آلم من قبلي موظفي الهلال الأحمر، وأشعرني بالقهر كما أشعرهم لقلة حيلتهم وعجزهم عن الشروع في إسعاف طفلة تعيش حالة ذعر وخوف يصعب تحملها من قبل طفل في مثل سنها، إذ وجدت نفسها وجهًا لوجه أمام موت وشيك قادم مع كل لحظة جديدة، محاصرة داخل سيارة، وبالقرب منها جثث أقاربها الذين اغتالتهم يد كيان متوحش ومغتصب”.

خلق التعاطف هو الغاية من الفيلم

توضح المخرجة كوثر بن هنية أنها سارعت بتحويل قصة الطفلة هند رجب إلى فيلم، متجنبة الوقت الضائع، تمشيًا مع هدفها الرئيسي من تصوير الفيلم ومع رغبتها الشديدة في استقطاب المشاهد وتحريك مشاعره بغية تغيير موقفه وكسب تعاطفه بإحالته على الحدث وهو ساخن، ليتفطن بمفرده للحظة التي كان فيها إنقاذ الطفلة هند أمرًا ممكنًا.

مستطردة: “هدفي الرئيسي من تصوير الفيلم هو نقل آلام وأوجاع الشعب الفلسطيني إلى الوجدان البشري في كل أنحاء العالم، من خلال تعاطف المشاهد مع الحالة النفسية والتروما التي عاشتها الطفلة هند رجب وهي محاصرة في سيارة مغلقة، يترصد بها العدو ليطلق النار عليها في كل لحظة”.

وتتابع أنها تعمدت عدم تصوير الجندي الإسرائيلي ودباباته حتى تستهدف فئات جديدة وأشدّ تعنتًا، فاعتمدت أسلوبًا أنيقًا وغير مباشر لتلفت به انتباه جلّ الدول الغربية الداعمة لسلطة الاحتلال، من خلال تصويرها مشهدًا إنسانيًا لطفلة صغيرة محاصرة داخل سيارة، وبجانبها جثث أقاربها التي تنزف ويتطاير منها الدم ليلتصق بجسمها فتخاله دمها أفرزه جسدها. مؤكدة: “إن هذا المشهد المريع قادر على مخاطبة القلوب وتحريك الوجدان البشري في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الغرب الداعم للكيان الإسرائيلي”.

العدو الإسرائيلي يقتل أيضًا بـ”بيروقراطيته” المقيتة

تضيف بن هنية قائلة إن فيلمها يتجاوز شخص هند رجب، فقد وثقت من خلاله وضع سكان غزة وما يعانونه من آلام وقهر جراء إبادة جماعية ممنهجة تسعى لإبعادهم ومحوهم بشتى الطرق. فزيادة على قتلهم بأسلحتها المدمرة ودباباتها المنتشرة، تفرض عليهم إجراءات بيروقراطية مقيتة وعراقيل تعطل حياتهم وتعجزهم، فتؤدي إلى حتفهم عاجلًا أو آجلًا.

أرادت كوثر بن هنية أيضًا من خلال تصوير هذا الفيلم الوثائقي أن تعرض على المشاهد في جل أنحاء العالم براهين وأدلة عينية على أن سلطة الكيان المحتل تقتل المدنيين ولا تستثني منهم الكبار ولا الصغار، ملمحةً إلى أن إنقاذ الطفلة هند كان ممكنًا جدًا، فإرسال سيارة إسعاف قبل فوات الأوان أمر سهل ومتداول، لولا التعطيلات والعراقيل المقصودة من سلطة الاحتلال.

نجحت كوثر بن هنية واستقطبت فئات جديدة

فاز فيلم “صوت هند رجب” بجائزة الأسد الفضي للجنة التحكيم الكبرى في مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الـ82، وصفق له الحاضرون طيلة 24 دقيقة، وهذا يوحي بأن المخرجة التونسية كوثر بن هنية حققت هدفها وساهمت في إيصال صوت هند رجب إلى شعوب غربية وأوروبية، وجعلتهم يكتشفون وحشية الكيان الإسرائيلي وتماديه في قتل الأرواح البريئة وما يقوم به من إبادة فردية وجماعية يومية.

لكن يبقى السؤال: هل حرّكت فعلاً مشاعرهم وأيقظت إنسانيتهم وغيرت من نظرتهم ومواقفهم تجاه القضية الفلسطينية؟

شاهد أيضاً

الامان الوظيفي في القطاع الخاص

سوسن الجزراوي في نظرية تكاد تكون الاقرب الى الواقع الذي نعيشه ، يعتقد الكثير ممن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!