مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية المقررة في أواخر هذا العام، تتجه الأنظار ليس فقط نحو الكتل السياسية والتحالفات الانتخابية، بل أيضًا نحو الشارع العراقي، وتحديدًا إلى قلب المجتمع: الأسرة العراقية. هذه الوحدة الأساسية، التي لطالما كانت عماد المجتمع، تواجه اليوم تحديات متراكمة ومعقدة، بعضها اقتصادي، وبعضها اجتماعي، فيما يتصل الكثير منها بالواقع السياسي الذي لم يحقق، في نظر كثيرين، تطلعاتها منذ سنوات.

ضغوط اقتصادية خانقة

تشير الأرقام إلى ارتفاع معدلات الفقر في عدد من المحافظات العراقية، وسط بطالة متزايدة، خصوصًا بين الشباب. الأسر العراقية تعاني من تذبذب سعر صرف الدينار، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، إضافة إلى التراجع المستمر في الخدمات العامة مثل الكهرباء، المياه، والصحة.

يقول أبو زينب، ربّ أسرة من بغداد:
“الوضع لا يُحتمل. راتبي لا يكفي لنصف الشهر، وكل وعود السياسيين السابقة ذهبت أدراج الرياح. نريد تغييرًا حقيقيًا يلمس حياتنا اليومية. وهذا يتطلب وعي سياسي لدى الجمهور باختيار المرشح الافضل القادر على ان يكون صوت حقيقي لجماهيره”

تحولات اجتماعية متسارعة

على المستوى الاجتماعي، تواجه الأسرة العراقية تفككًا تدريجيًا بسبب الضغوط المستمرة. تقارير المنظمات المحلية تشير إلى ازدياد حالات العنف الأسري، الطلاق، وتسرب الأطفال من المدارس، خاصة في المناطق الريفية والمهمّشة. خاصة بعد تاخر اقرار قانون الحماية من العنف الاسري.

أم حسين، معلمة من محافظة ميسان، تؤكد أن:
“الوضع النفسي للأسر العراقية في تراجع ملحوظ. حتى الأطفال أصبحوا يشعرون بثقل الأزمة. كل ذلك يؤثر في تماسك العائلة ويجعلها أكثر هشاشة. ولابد من وجود حلول عاجلة تشتغل على مفاصل التوعية وتعزيز روح الانتماء”

الانتخابات: أمل أم إعادة تدوير للأزمات؟

بين الحذر والأمل، تنقسم آراء العراقيين. فالكثير من الأسر لا تخفي تشككها في قدرة الانتخابات القادمة على إحداث تغيير ملموس، بسبب تكرار الوجوه والأحزاب ذاتها، واستمرار المحاصصة الطائفية، وتهم الفساد التي تطال جهات سياسية بارزة.

لكن، في المقابل، تبرز أصوات جديدة تدعو إلى التصويت الواعي ومحاسبة المسؤولين عبر صناديق الاقتراع، باعتبارها الوسيلة السلمية الوحيدة للتغيير.

يقول الباحث في الشأن الاجتماعي عبد الله الشمري:
“وعي الأسرة العراقية السياسي في تصاعد، خصوصًا بين فئة الشباب والنساء. التحدي الأكبر هو تحويل هذا الوعي إلى فعل انتخابي مؤثر.”

دور المرأة والأسرة في صنع القرار

المرأة العراقية، التي لعبت أدوارًا محورية في تماسك الأسرة خلال الأزمات، باتت اليوم تطالب بدور أكبر في الحياة السياسية. وقد شهدت الدورات الانتخابية السابقة صعود عدد من النساء إلى البرلمان، إلا أن التمثيل النوعي لا يزال محل جدل، خاصة مع تعرض بعض المرشحات للعنف السياسي أو حملات التشويه.

خاتمة: انتظار المجهول

تعيش الأسرة العراقية اليوم في مفترق طرق بين الانهيار والصمود. فمع استمرار الأزمات وتراجع الثقة بالمؤسسات، تبقى الانتخابات القادمة بمثابة اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة علاقتها بمواطنيها، من خلال تحسين واقعهم المعيشي والاجتماعي.

في النهاية، تبقى الأسرة العراقية، رغم الجراح، الأمل الباقي في بناء عراق أكثر عدلاً واستقرارًا، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والرؤية الوطنية.