سرطان الثدي يطارد العراقيات في ظل التلوث وتراجع الوعي وعجز القطاع الصحي

حامد عبد حسون

لا يغادر الخوف “أريج” (38 عاما) منذ وفاة والدتها بسرطان الثدي والذي ترك آثارا عميقة في حياتها. تقول “أريج” وهي استاذة جامعية وأم لأربعة أطفال:”نعم ربما علي التوقف عن افتراض ان ما حدث لوالدتي لابد ان يحدث لي، لكن حقيقة ان ثلث اصابات النساء بالسرطان حسب الإحصائيات ترتبط بسرطان الثدي تفزعني”.

لكن “عفراء” (34 عاما) وهي ربة بيت متزوجة، تجاوزت تلك المرحلة فقد تم تأكيد إصابتها بالسرطان لتكون واحدة من بين عشرات آلاف المصابين الذين يواجهون أوضاعا صعبة ومصيرا مجهولا، مع التضاعف المستمر في ارقام المصابين بالسرطان خلال 20 عاما، وضعف النظام الصحي نتيجة تراجع تخصيصاته عاما بعد آخر، وسط توقعات باصابة 460 الف شخص الى العام 2030.

سرطان الثدي ثلث حالات إصابة النساء

يحتل سرطان الثدي المرتبة الأولى بين الأمراض السرطانية من حيث نسبة الاصابة بحسب سجلات وزارة الصحة العراقية، وبنسبة تقدر بـ 36.1% من اجمالي عدد الحالات، فمن بين كل ثلاث نساء مصابات بالسرطان هناك امرأة واحدة تشخص بسرطان الثدي.

تقول الدكتورة ابتهال الحميد، اخصائية الأورام والسرطان، ان أعداد الاصابات بسرطان الثدي تزداد سنويا، ومواجهة ذلك يحتاج الى حلقة متكاملة من المتطلبات بدءا بتأمين الأجهزة والمعدات الخاصة بالتشخيص والكشف ومرورا بتوفير الكوادر المتخصصة وتأهيلها، وانتهاء بالتوعية والدعم النفسي للمصابات.

و شددت الحميد على أهمية توفير المراكز والأجهزة الى جانب تدريب المعالجين من الأطباء والمساعدين التقنيين.

وتضيف “من المهم التذكير بقصص الشفاء من المرض فهي ملهمة، وقبلها على النساء تجنب التوتر والعصبية لمردوده السلبي على الحالة النفسية التي ترفع احتمالية الاصابة بالسرطان”.

التلوث وضعف الوعي الصحي

يكشف تقرير للبنك الدولي، أن العراق يتصدر قائمة الترتيب عن دول آسيا وشمال أفريقيا وبمعدل 3.4، في حين يقف في المركز الثاني عالمياً بعد منغوليا في كثافة انبعاث الكربون، متفوقا على كل من الصين وكوريا الجنوبية.

ويحذر نشطاء بيئيون من نسب التلوث العالية في الأنهار نتيجة صرف المواد الملوثة فيها مباشرة دون معالجة والتي يعاد استخدامها، فضلا عن التلوث الذي أحدثته الأسلحة خلال الحروب التي شهدها العراق منذ ثمانينات القرن الماضي. والى جانب التلوث، يشكل ضعف الوعي بالمرض، عاملا سلبيا يقلل من فرص النساء المصابات في سرعة اكتشاف المرض ومواجهته.

يرى مدير مستشفى الاورام السرطانية في مدينة الناصرية الدكتور باسم عبد الرزاق المشرفاوي، ان “الكشف المبكر هو الخطوة الاولى للعلاج، اذ يمكنه ان يجنب استئصال الثدي او تفاقم الحالة الى حد الوفاة، فالكشف المبكر يساعدنا على استئصال كتلة الورم نفسها فقط، ويساعد على التعافي بشكل تام”.

ويضيف :”في حين تصل نسبة الكشف المبكر في البلدان المتقدمة الى 80% فإنها لا تتعدى الـ20% في العراق، بسبب خوف المصابات من التصريح بالأعراض التي يعانين منها، فضلا عن ضعف البرامج الموجهة لتوعية النساء بأهمية الفحوص المبكرة وكيفية اجرائها”.

متطلبات مواجهة زيادة الإصابات

ينبه الدكتور باسم المشرفاوي الى مشكلة النقص في الاجهزة والمستلزمات الأساسية للفحص والمعالجة، قائلا “النقص في اجهزة الفحص واحد من أكبر المشكلات التي تعترضنا، مبينا أن للفحص المبكر اهمية قصوى لانقاذ حياة المصابات “هو يساعدنا على اجراء عمليات بسيطة بتكاليف بسيطة اذا ما قارنا ذلك بتكاليف العلاج ومتطلباته ومستوى خطورته في مراحل المرض المتأخرة”.

تقول “حنين” وهي مريضة اخرى في عقدها الرابع: “فترة الفحص والتحليل هي الأصعب، فهي تتطلب حجز مواعيد مسبقة يصعب تأمينها في المستشفيات الحكومية، لهذا يلجأ معظم المرضى الى اجراء فحوصاتهم في العيادات والمستشفيات الأهلية”.

و حسب التقرير الصادر من الجهاز المركزي للإحصاء فان واحدا فقط من كل 36 شخصا في العراق يحصل على الدواء بصورة دائمة وباسعار ميسورة. اي ان نحو 97% من العراقيين لا يحصلون على الادوية بأسعار ميسورة.

بين الخوف الذي تشعر به “اريج” من ان تلعب الوراثة دورها وتتعرض هي وأولادها الى نفس السيناريو القاتم، في ظل ضعف البنية الصحية وتراجع الامكانات الاقتصادية، وبين تحدي “عفراء” لمرضها وتحسن حالتها الصحية اثر الاكتشاف المبكر نسبيا لمرضها، هناك مساحة أمل كبيرة بخلاص المصابات بسرطان الثدي واستعادتهن لحياتهن الطبيعية.

شاهد أيضاً

ارتفاع التلوث البيئي في العراق.. وانتشار الكبريت ينذر بكارثة صحية

من أصل 18 محافظة في العراق، هناك 12 محافظة ذات بيئة “غير صحية” وست محافظات …

error: Content is protected !!