
د. مهند الخزرجي
شهد العراق بعد عام 2003 تحوّلًا سياسيًا جذريًا تمثّل في إسقاط النظام السابق وفتح المجال أمام التعددية الحزبية. هذه المرحلة وضعت نهاية لنظام الحزب الواحد، و فسح المجال أمام الأحزاب القديمة التي كانت تعمل في المنفى، وأخرى تشكلت حديثًا في الداخل للعمل في فضاء واسع من الحريات التي سمحت بالتعددية وحرية تأسيس الأحزاب .
لكن هذه المساحة من الحرية التي كفلها دستور 2005 النافذ أفرزت واقعًا حزبيًا معقّدًا اتسم بكثرة الأحزاب، وتغوّلها في الحياة السياسية، وتزايد ارتباطاتها الإقليمية والدولية. مما أدى إلى ان تتحول هذه التعددية إلى عبء على العملية السياسية بدل أن تكون ركيزة لديمقراطية حقيقية.
ولعل من ابرز ملامح خلل الواقع الحزبي في العراق ان البيئة السياسية تشكّلت على أساس محاصصة طائفية، انعكست على عمل الحكومات المتعاقبة وتقسيم المناصب، بين الأحزاب وفق حسابات دينية ومذهبية وقومية وفق نسب غير رسمية. وخضوع البعض منها لتأثيرات إقليمية مما أضعف القرار الوطني العراقي وأدخل البلاد في صراعات المحاور. إضافة إلى امتلاك البعض من الأحزاب تشكيلات مسلحة وهو ما يتنافى مع مبادئ الديمقراطية والمنافسة السلمية. يرافق ذلك ضعف الديمقراطية الداخلية وافتقار غالبية الأحزاب إلى آليات ديمقراطية داخلية مثل الانتخابات الدورية، والمساءلة، وتداول القيادة، والشفافية مما يجعلها أقرب إلى تنظيمات مغلقة تخضع لسلطة الفرد أو العائلة.
ووفق إحصاء للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تجاوز عدد الأحزاب المسجلة 320 حزبًا عام 2025. ورغم هذا التنوع الكمي، ظل الطابع الطائفي والقومي هو السمة الغالبة، إذ تمحورت معظم الأحزاب حول الهويات الفرعية، مما جعلها أدوات تمثيل فئوي أكثر من كونها حركات سياسية وطنية فاعلة ومؤثرة . مما أدى إلى تراجع الثقة الشعبية بالمؤسسات. وبحسب نتائج تقرير تحليلي لوزارة التخطيط العراقية، عن آخر توجهات الشباب العراقي ورؤيتهم للوضع الأمني والسياسي في البلاد لعام 2021 ، أن 73 % من الشباب والشابات، عبروا عن عدم ثقتهم بالأحزاب السياسية والدينية في العراق.
محاولات الإصلاح والواقع الراهن
رغم الضغوط الشعبية الواسعة، خصوصًا بعد احتجاجات تشرين 2019 ، لم تشهد البيئة الحزبية إصلاحًا حقيقيًا. وتم تعديل قانون الانتخابات بشكل جزئي، كما بقي قانون الأحزاب دون تفعيل فعلي، ولم تُؤسس هيئة مستقلة تراقب التزام الأحزاب بالشفافية والديمقراطية. وبالامكان إصلاح الواقع الراهن من خلال إعادة تعريف دور الحزب السياسي، لا كأداة للسلطة، بل كمنصة لخدمة المصلحة العامة، وتمثيل المواطنين بشكل فعّال ، وضبط التمويل الحزبي ومنع التدخل الخارجي ، ونشر ثقافة حزبية مدنية ووطنية ، وتقنين العمل الحزبي داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى تعزيز دور الأحزاب الناشئة والمستقلة في الساحة السياسية.