قمة ترامب وبوتين وكواليس الفاعلين الجددد

نبراس المعموري

عكس التنافس بين الصين والسعودية على استضافة القمة المحتملة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغبة كلا البلدين في لعب دور محوري في الجهود الدولية لتحقيق السلام والأمن. وقد أبدت الصين اهتمامًا واضحًا باستضافة القمة، إذ قدمت اقتراحًا لفريق الرئيس الأمريكي عبر وسطاء لعقدها في الصين، ومع ذلك، لم يعلّق البيت الأبيض على هذه المعلومات، واعتبر أن أي طرح في هذا الإطار “غير واقعي مطلقا”.

ورغم المنافسة الواضحة، فإن السعودية تفوقت في النهاية على الصين بحصولها على الموافقة لاستضافة المفاوضات والقمة، وأثبتت نجاحها في لعب دور الوسيط بين الدولتين. ويمكن تفسير هذا التفوق السعودي بعلاقاتها المتوازنة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، إضافةً إلى تفضيل ترامب للسعودية نظرًا لدعمها استراتيجياته الاقتصادية والسياسية.

من جانبها، رحبت السعودية بعقد القمة على أراضيها، واعتبرته انتصارًا تاريخيًا يُسجَّل لها، خاصة أن المراجعة التاريخية لهذا النوع من القمم تؤكد دوره في تحديد ملامح النظام العالمي، كما حصل في يالطا عام 1945 في أواخر الحرب العالمية الثانية، حيث كانت نتائجها المباشرة إنهاء الحرب وتقسيم ألمانيا بين القوى المنتصرة، وبروز موسكو كقطب موازٍ.

وكذلك قمة أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي أنهت عمليًا المواجهة، حيث سحبت موسكو صواريخها النووية من كوبا، وتعهدت واشنطن بعدم غزو جارتها كوبا، كما سحبت لاحقًا صواريخها من تركيا.

مفاوضات الجولة الأولى تصنع النتائج

أُعلن مسبقًا عند التلويح بعقد قمة ترامب وبوتين أن أهدافها الرئيسية هي مناقشة سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا، وتعزيز العلاقات الثنائية بين موسكو وواشنطن، وتبادل وجهات النظر حول التحديات الأمنية في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، إضافةً إلى تعزيز الدور السعودي الإقليمي والدولي، ومناقشة ملفات الطاقة.

وقد استطاعت مفاوضات الجولة الأولى، التي عُقدت قبل أيام في الرياض بين مسؤولين أمريكيين وروس، مع تغييب أوكرانيا والدول الأوروبية، تحقيق بعض ملامح تلك الأهداف. فبعد ثلاث سنوات من الحرب، أسفرت المفاوضات عن حصول موسكو على نتائج عملية حقيقية، إذ اقترح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أن تعود السفارتان الأمريكية والروسية إلى مستوى تمثيل أعلى، بعد عمليات الطرد المتبادلة التي بدأت عندما استخدمت روسيا غاز الأعصاب على الأراضي البريطانية ضد الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال. وتعكس النتائج الأولية تحولًا دراماتيكيًا في السياسة الأمريكية.

إلا أن استبعاد أوكرانيا والدول الأوروبية من مفاوضات الجولة الأولى أثار قلق هذه الدول، إذ اعتبرت أن غيابها عن المفاوضات قد يؤثر على مصالحها.

وبالرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، صرّح بأنه سيتم التشاور مع أوكرانيا وأوروبا بانتظام خلال العملية التفاوضية، فإن التوتر بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية بدا واضحًا عقب التصريحات الأمريكية بشأن تصميم ترامب على شراء جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، ومطالبة أوكرانيا بتسديد المساعدات العسكرية التي تلقتها على هيئة احتياطياتها الضخمة من المعادن النادرة والمعادن الحيوية.

فهل تستعد كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحرب تجارية؟ وهل سيكون ثمن بداية ترميم العلاقة مع روسيا هو الاستعداد للمواجهة الاستراتيجية مع الصين؟ ليكون العالم أجمع لاحقًا أمام “يالطا” أمريكية-روسية، وأمام دولة خليجية تصبح لاعبًا رئيسيًا في مستقبل السياسة الدولية!

شاهد أيضاً

التعليم العالي الأهلي : الواقع والحلول

د. نبراس المعموري يُعد التعليم العالي في العراق ركيزةً أساسيةً لبناء المجتمع وإعداد الكوادر المؤهلة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!