د. محمد وليد صالح
باحث وكاتب عراقي
على الرغم من تعدد وسائل الإعلام وتنوعها يتوافر رابط مشترك لتنظيم ممارساتها وهو الرقابة الحكومية وغير الحكومية سواء أكانت المباشرة أم غير المباشرة، بوصف الهيئات والنقابات والاتحادات ممثل لهذه الرقابة، بوصف عملية التقويم لمحتوى الاتصال ومستوى الحدث وأهمية التسويق الإعلامي له، بمعنى ان الإعلام لم يعد حراً وانما توجد ترددات غير مرئية يستشعرها القائم بالعملية الاتصالية، وهذه تضمنت جانبين احدهما سلبي والآخر ايجابي، وبطبيعة الحال يتأثر ذلك بنظام التمويل وقانون تأسيس وسائل الإعلام، فضلاً عن تنظيم ادائها المؤسساتي بهدف تقديم الأفكار والأطروحات لايصال رسالة إلى الجمهور المحلي والإقليمي لمواجهة رسائل الإعلام الدولي.
ان مقومات الدولة الحديثة ركزت على ثلاث قوى رئيسة هي (الإعلام والاقتصاد والعسكرية) وأصبحت القوة الفعلية لأي دولة في العالم تقاس بمدى حجم وإمكانيات ما تملكه من تلك القوى. إذ يمكن تحديد مظاهر النظام الدولي الجديد لفهم انتقال العلاقات الدولية من نظام تقليدي إلى نظام جديد يرافقه نظام إعلامي معاصر، نابع من تطور وسائل الاتصال الرقمية وسرعة نقل المعلومات عبر الدول، لتوفير الزمن واختصار المسافات، الأمر الذي جعل الأفكار والمفاهيم عن الظواهر والأشياء تتأثر بالأحداث الجارية والتطورات المتلاحقة على امتداد العالم.
وأدى التوسع في المجالات العلمية والتكنولوجية إلى إغراق المجتمعات بالسلع والأجهزة والمعدات ووسائل إنتاج وتوزيع واستهلاك العلم والمعرفة، واستغلالها في ربط الإعلام بالاقتصاد، فضلاً عن ظاهرة العولمة ومجالاتها وتزايد الاعتماد الدولي المتبادل والشركات المتعددة الجنسيات، وأصبح العديد من المنتجات الصناعية يتم تجميعها في اكثر من دولة وتقوم كل واحدة منها بالتركيز أو التخصص في صنع أحد هذه المكونات فقط.
اصبحت أهمية الإعلام بشكل عام والسياسي بشكل خاص وثيقة الصلة بالإعلام الحربي أو العسكري، لخدمة الأغراض السياسية والعسكرية على حد سواء كلما تفاقمت الأزمات أو الحروب، مما دفع بعض الدول لإنفاق ملايين الدولارات لفتح إذاعات لنقل الصوت عبر الأثير والتأثير في العالم.
إذ سميت حرب الخليج الثالثة بـ الحرب الإعلامية أو حرب الخطاب السياسي الإعلامي، لشدة النزاع والتنافس بين وسائل الإعلام السياسي العربي والغربي على نقل وقائعها كل على هواه وأدلجته السياسية الخاصة، وعلى الرغم من التدفق الهائل للأخبار والمعلومات والتقارير بالصوت والصورة بشكل دوري ومستمر، فالإعلام السياسي مارس التضليل والتوجيه باستعمال التقانة السمعية والبصرية الحديثة، مما افقد المتلقي العربي والأجنبي المصداقية في العديد من وسائل الإعلام الامريكية والغربية والعربية، إذ توضح ان معظم ما يبث لم يكن سوى دعاية سياسية وتظليل إعلامي.
ان توازن العلاقة بين الإعلام والحكومة كتوفير الدعم والتمويل لعمل هذه الوسائل بصورة غير مشروطة بوصفها جزء من المجتمع المدني الذي تسعى لتطوير مؤسساته وتنميتها، وبرزت الكثير من الأحداث ولها صدى كبير في أرجاء العالم كافة، إذ بدأ الأمر يؤثر على الشعوب والعلاقات السياسية ضمن إطار الدبلوماسية الشعبية، وموضوع دراسة الصورة لديها.
وقد يأتي هنا دور المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام في نقل الأحداث السياسية وصناعتها بما ينسجم مع طبيعة عمل منظومة العلاقات الدولية مع دول الجوار الجغرافي، لأن الإعلام أصبح فاعلاً مؤثراً في السياسة الخارجية للبلد، ومن هذا المنطلق تنبع أهمية الإعتماد على منهجية فكرية واضحة المعالم والرؤى والتخطيط لستراتيجيات على وفق وسائل جديدة ومتاحة لصياغة محتوى الأحداث ونقله.
ومن طريق ما تقدم ان دور الإعلام وأثره في السياسة المحلية والدولية، يتضح بواسطة الاعتماد على وسائل الاقناع والترغيب والترهيب والتضليل والخداع بصورة تبدو للعيان انها الواقع أو الحقيقة، فضلاً عن أهمية الإعلام السياسي في خدمة أهداف النظام الدولي الجديد وستراتيجياته، بوصف الإعلام سلاح أكثر فعالية من اللجوء إلى القوة العسكرية.