صحافة

فراس الحمداني

عندما كنت صغيرا” كنت احلم بصاحبة الجلالة .. وكان جسمي يقشعر ويرتجف حين اطالع على التلفاز صور المطبعة وهي تطبع الصحف او اسمع مذيعا” عبر اثير الاذاعة وهو يطلع العنان لهاجر صوته متفننا” بكاريزماتيته الصوتية .. كنت اشعر بالطاقة الايجابية والقوة المفرطة حين اشاهد مراسلا صحفيا واعلاميا” حربيا” يزاحم كتفه اكتاف المقاتلين في خندق احد المعارك وهو ينقل الحدث كما حدث .. بالصوت والصورة ..
كبرت وانا احلم بان أكون صحافيا” يبجل صاحبة السمو الجلالة تهون عليه متاعب المهنة دون ان يشعر بانها مهنة المتاعب .. كبرت وكبر معي حلمي بشكل غير متناسب مع عمري .. حتى أصدرت أول جريدة اسبوعية وانا بالصف الاول متوسط بمتوسطة طارق ابن زياد في قضاء الحويجة جنوب غرب محافظة كركوك .. وكانت الجريدة التي ترأست تحريرها عبارة عن اوراق مزدوجة نقطفها كالورود من وسط دفاترنا انا وزملائي بالجريدة ونضع الكاربون بينها لننسخها .. كنا نكتبها بأيدينا ونرسم صورها بأيدينا حيث كان بيننا الموهوب بالرسم والخط والكتابة ومن فصل الله كنت انا اجمع بين كل تلك المواهب .. وكان يشرف علينا معنويا” بشبابه استاذ الفنية قاسم حميد فنجان اشهر المؤلفين المسرحيين بالعراق حاليا” .. وكان معي زملائي احمد عواد الذي اصبح الان طبيبا ومديرا لمستشفى حكومي كبير و وسام الجميلي الذي صار دكتور في تخصص مهم وعصمت مجيد الذي اصبح طبيب وتدريسي وزهير جبار اصبح مدير مدرسة .. واعتذر لمن لم ات على ذكرهم ممن اصبحوا مهندسين ومسؤولين مهمين ..
كان والدي يضغط علي بقوة لان اصبح ضابطا” وانا كنت احلم بالصحافة ولاشيء سواها .. سلطة والدي كانت أقوى مني فنحن من جيل الطيبين وابناء الزمن الجميل من مواليد نهاية السبعينات كنا لا نرد لاهلنا طلبا مهما كان ( وعلى الاغلب اغلبنا كنا كذلك ) .. وبنهاية المرحلة الاعدادية كنت قد بدات بخطواتي الاولى في عالم الصحافة بصعوبة كبيرة وكانت البداية في جريدة ( صوت التأميم ) والله يعلم كم كانت البدايات صعبة بوقتنا ..
ثم عشنا فترة الحصار الاقتصادي وافرازاته على حياتنا بكل التبعات المعروفة ان ذاك وبعدها بفترة قصيرة توجهت للدراسة العسكرية بامر والدي على امل ان اتخرج ضابطا* واحقق له مراده .. ولكن شائت الاقدار ان ذلك المراد لم يكتمل لاسباب اتحفظ على ذكرها كي لا اكون ممن استغلوها لمكتسبات هذا الزمن ..
عموما” .. دخلنا في مرحلة جديدة وعهد جديد بعد عام ٢٠٠٣ وكنت انا هنا القادم بقوة نحو عالمه الصحفي بعنفوان الشباب المصقول بالتجارب والمصاعب والمقرون بدراسة الاعلام اكاديميا” في جامعة كركوك .. لأعيش مهنيا” كل ما تمنيته في الصحافة و الاعلام المرئي والمسموع و المقروء .. لكنني ومع تقدم السنين صرت اصدم وافجع بحقائق الواقع المحيط بالصحافة بسبب الطارئين والدخلاء والمستغلين والفاسدين وأولي الامر المجاملين على حساب المهنة من اجل الاحتفاظ بالمكاسب والمناصب .. وقتها صدمت وصدمت وصدمت حتى كدت اصل لمرحلة الندم على دخول هذا العالم ..
ولكنني الان ندمت حقا” حين وجدت ( الهويات والباجات ) الاعلامية الصحفية تباع ( دليفري ) كما تباع ( الطماطة ) ..
والأتعس من ذلك انها صارت تصل الى الارهابيين والمجرمين والراقصات والغانيات الباغيات !!! وعلى مرئى ومسمع كل الجهات المعنية .
والان ان لي الاون ان امزق و اشق الكلمة التي لطالما كنت احبها و احلم بها (صحافة) .. لتصير ( صح .. آفة ) .. آ
آآآآآفة لا علاج لها الا الاستئصال .

شاهد أيضاً

ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار

العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …

error: Content is protected !!