صوتها ـ مهدي المهنا
لم تعد “ظاهرة” تأخر إقرار الموازنة الاتحادية، تشكل مفاجأة لدى المراقب والمواطن معا، فقد عاش تجربة العام 2014 الذي مر من دون إقرار موازنة أصلا، وعدم تمكن السلطتين التنفيذية والتشريعية من حسم ملفها في ذلك العام، وتمريرها خلال المدة المحددة لها سنويا، في تشرين الاول من كل عام. فهذه السنة تأخر البرلمان في تمرير الموازنة الاتحادية ما يقرب من خمسة أشهر، قابلة للزيادة.
واتهم النائب رعد الدهلكي، الاسبوع الماضي، بعض الكتل السياسية في مجلس النواب بتعطيل تمرير مشروع قانون موازنة 2018.
واوضح، أن “كتلاً في البرلمان تعيق تمرير مشروع قانون الموازنة المالية للبلاد”.
وقال الدهلكي، إن “تأخر إقرار الموازنة سينعكس سلباً على المواطن البسيط بالدرجة الأساس وهو المتضرر في البداية والنهاية”.
وأكد ضرورة “سعي جميع الكتل السياسية لتمرير الموازنة، مع التأكيد على أهمية إلغاء فقرة استقطاعات رواتب الموظفين، وتخصيص مكافأة نهاية الخدمة لضباط الجيش العراقي المتقاعدين”.
وأشار الدهلكي إلى أنه “لدينا مطالب عديدة وهي ليست شخصية انما شعبية وقانونية منها حصة الشعب في التعيينات التي يجب أن تضمن في نص الموازنة، وحصة الفلاحين (مستحقاتهم على المحاصيل التي يسوقونها الى السايلوات الحكومية)، والعديد من المطالب”.
وطالب الحكومة أيضا بـ”تنفذ هذه المطالب والإسراع في حل المشاكل العالقة بشأن الموازنة”.
ووفقا للجنة القانونية في مجلس النواب، فأن الموازنة ستطرح بغد غد الثلاثاء للتصويت عليها.
يذكر ان اللجنة المالية النيابية، قد اعلنت في وقت سابق، عن طريق النائبة ماجدة التميمي الغاء المادة الخاصة باستقطاع رواتب الموظفين من موازنة 2018.
وقالت التميمي، ان “اللجنة المالية قررت الغاء المادة ٣٠ من موازنة ٢٠١٨ والخاصة باستقطاعات الموظفين البالغة ٣.٨٪”.
وطالبت التميمي بـ”حذف المادة ٤٢ من مشروع قانون موازنة عام ٢٠١٨ الخاصة بتقييد منح العلاوات والترفيعات وحفظ استحقاقات الموظف”.
وكان عضو اللجنة المالية احمد حمه اكد، ان الاموال المستقطعة من رواتب الموظفين للسنة السابقة لا يمكن ارجاعها باثر رجعي، مبينا ان الاثر الرجعي يشمل السنة الحالية كون الاستقطاع غير قانوني.
كما اكد عضو اللجنة القانونية النيابية صادق اللبان، الاحد الماضي، ان موازنة 2018 تضمنت فرض ضرائب جديدة بعد الاتفاق على الغاء الاستقطاعات من رواتب الموظفين.
وفي اتصال “مجلة صوتها” بالدكتورة سلام سميسم، الباحثة والخبيرة في الشؤون الاقتصادية، قالت إن “الموازنة تأخرت بسبب اصرار الكتل على مطالبها. إن كل طرف يرفض تقديم تنازلات للطرف الآخر، فمثلا محافظات الجنوب ترفض التنازل عن نسبة البترودولار”.
وتشير سميسم أيضا الى، أن “المحافظات المحررة، مؤخرا، تحاول الحصول على حصة صافية بدون قطوعات”.
بينما تصر كتل التحالف الكردستاني على ارجاع نسبة الـ17% ضمن القانون، بعد أن خفضتها الحكومة الى 12.67%، برغم أن تأكيدات كردية، تحدث عن زيادتها الى 14%.
وبالنسبة لتأثير تأخير اقرار الموازنة الاتحادية على سوق العمل في العراق قالت سميسم، ان “تأخر اقرارها يؤدي الى عدم تثبيت العقود، فلو تم تسريح اصحاب العقود، سيتم اضافتهم الى جيوش العاطلين عن العمل الذين يعانون البطالة التي بدأت تأكل وجه البلد”، مبينة ان “نسبة البطالة اساسا قد تصل في بعض محافظات الجنوب الى 50%”.
وكان المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، حذر، مؤخرا، البرلمان من مسؤولية فرض استقطاعات على رواتب الموظفين والمتقاعدين، لافتاً إلى امكانية رفعها من قانون الموازنة قبل التصويت عليه.
كما كشفت عضو اللجنة المالية النيابية محاسن حمدون، ان “التصويت على الموازنة سيكون يوم الثلاثاء المقبل”، مؤكدة ان “استقطاعات رواتب الموظفين توقفت في الموازنة”.
وأكدت حمدون أن “نسبة الاقليم لن تتغير واعضاء التحالف الكردستاني لم يحضروا لمناقشة الموازنة لغاية الان، لهذا يبقى الوضع على ما هو عليه”.
بهذا الصدد، قال أردلان نور الدين النائب عن التحالف الكردستاني، إن “الكرد طالبوا بعقد اجتماع قريب للرئاسات الثلاث بغية التوصل إلى حل بشأن الموازنة”.
وأضاف في تصريح لـ”مجلة صوتها”، أن رئيس الوزراء حيدر العبادي رفض طيلة المدة الماضية عقد أي اجتماع مع نواب الكتل الكردستانية، و”هناك مخاوف لدى بعض نوابنا بعدم وجود رغبة حقيقية للحكومة في تمرير الموازنة”.
وحذر من “استمرار تجاهل مطالب الكرد في الموازنة وتمريرها بالأغلبية”، مبينا “اننا نأمل بأن يتم تسويتها خلال اجتماع الرئاسات لعلنا نخرج بنتيجة ايجابية”.
وتابع “اننا نخشى ان تكون بوادر حل مشكلة الموازنة مجرد كلام على ورق كما حصل في وعود اطلقت بصرف رواتب موظفي الاقليم التي لم تر النور لغاية الان، انما مجرد تشكيل لجان وتدقيقات بلا نتيجة”.
وترى سميسم ان “محافظات كردستان الى الان لم تحسم موضوعة رفع نسبة الاقليم من الموازنة حيث يحاولون رفعها الى 14%، بالاضافة الى بعض التعويضات ورواتب الاقليم المتوقفة منذ مدة”.
وفي غضون ذلك، أعلن مقرر اللجنة المالية النيابية، أحمد الحاج رشيد، أمس السبت، أن بغداد وافقت على زيادة حصة إقليم كردستان من الموازنة العامة للسنة الحالية إلى 14%.
وقال الحاج رشيد، في تصريح أرسله لبعض وسائل الاعلام، بينها “مجلة صوتها”، إن الحكومة “تقبل بزيادة النسبة المخصصة لإقليم كردستان من 12.67% إلى 14% من الموازنة العامة العراقية”.
وأضاف، “أننا لا نعرف بعد ما هو موقف حكومة إقليم كردستان من الأمر”.
لكنه أكد أن نواب التحالف الكردستاني “سيواصلون بذل جهودهم لتثبيت نسبة 17% لإقليم كردستان في الموازنة للعام 2018”.
يذكر أن مشروع قانون الموازنة العامة العراقية للعام 2018، والذي تمت المصادقة عليه في مجلس الوزراء في الخامس من تشرين الثاني 2017، خفض حصة إقليم كردستان في الموازنة العامة من 17% إلى 12.67% فقط.
بدوره، نفى النائب عن الاتحاد الاسلامي الكردستاني زانا سعيد، امس الاربعاء، لجوء الكتل الكردستانية إلى الانسحاب من العملية السياسية في حال تمرير الموازنة بشكلها الحالي، لافتاً إلى أن الرد سيكون بتغيير نوع الشراكة والتحالفات مع الكتل التي ستشكل الحكومة بعد الانتخابات.
وقال سعيد، إن “الكتل الكردستانية مستمرة في موقفها الرافض لقانون الموازنة ولا يمكن التصويت على بنود مجحفة وغير منصفة لابناء الاقليم”.
وأكد أن “تمرير القانون بالاغلبية سوف يتحمل تباعاته شركاؤنا، لأننا سننهي الشراكة الحالية معهم وسيكون لنا موقف من موضوع تشكيل الحكومة بعد الانتخابات المقبلة”.
ووفقا للخبيرة في الشؤون الاقتصادية سلام سميسم، فان تأثير تأخر اقرار قانون الموازنة على الفرد، سيطال الدخل الشهري؛ فمع وجود التضخم الكبير في الاقتصاد العراقي ووجود هذه الحالة غير المستقرة لدخل الفرد والموظفين، ستؤدي الى انخفاض القيمة الحقيقية للدخل، وبالتالي تردي المستوى المعيشي للمواطن.
ناظم الأحمدي، تاجر معروف في سوق الشورجة وسط بغداد، قال إن “التجارة والأعمال في العراق تراجعت في الشهرين الماضيين إلى أدنى مستوياتها عما كانت عليه في الأشهر الماضية”، عازياً ذلك إلى “تأخر اقرار الموازنة”.
من جهته، قال أحمد المفرجي، تاجر آخر إن “نسبة المبيعات انخفضت مع بداية هذا العام بحوالي 70%، حتى أن بعض أصحاب المخازن والمحال التجارية قاموا بتسريح بعض العاملين لعدم قدرتهم على صرف مستحقاتهم المالية”، لافتاً إلى أن “أكثر من تأثر بهذه الأزمة هو القطاع الخاص والطبقة الكادحة من موظفي الأجور اليومية”.
وأشار المفرجي إلى، أن “استمرار ركود الأسواق بهذا الحال سيكبد التجار خسائر كبيرة، ويدفعهم إلى وقف نشاطهم التجاري لأكثر من 6 أشهر أخرى حتى يتعافى السوق، لحين اقرار الموازنة”.