د. محمد وليد صالح
أكاديمي وكاتب عراقي
العلاقات العربية اليابانية تعود بجذورها إلى بدايات القرن العشرين، وتطورت على إثرها النشاطات السياسية والاقتصادية المتبادلة، وكان العراق من الدول التي أقامت علاقات مشتركة مع اليابان قبل أكثر من سبعين عاماً بعد فتح أول مفوضية لها في بغداد عام 1939، في حين فتحت أول مفوضية في طوكيو عام 1955، ولغاية عقد التسعينات كان مسار العلاقات بين المد تارة والجزر تارة أخرى، أما الآن وقد أصبحت قوة عظمى في العالم واحتلت المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، إذ وصلت مركزاً متقدماً في مجمل الإنتاج العالمي، بفضل إمكاناتها الاقتصادية والتقانات التكنولوجية المتطورة.
وفي الذكرى الثالثة والثمانين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وانعقاد المنتدى العراقي الياباني في بغداد بدورته الثالثة عشر بالتنسيق مع بيت الحكمة والجامعات العراقية واليابانية ورؤية الباحثون عبر التأريخ والسياسة والمجتمع، لاستخلاص الدروس وفهمها والانتقال من الاعجاب العاطفي إلى الفهم السلوكي والوجداني في التنشئة والتدريب الفكري والأخلاقي، ولاسيما وقد استأنفت نشاطها وفتح سفارتها في بغداد في عام 2003، فضلاً عن المساهمة في توفير الدعم للبرامج الاقتصادية والسياسية والثقافية والإدارية في العراق واشتراكها في مشاريع إعادة الإعمار، على الرغم من الجدل وسط المؤسسات السياسية وعدم تأييد الرأي العام الياباني لوجود قوات الدفاع الذاتي، وأثّر ذلك على مستوى العلاقات الاقتصادية ويعود ذلك إلى عوامل عدة منها عدم استقرار الأوضاع الأمنية التي كانت تعد سبباً في عدم توسيع نشاط التبادل التجاري.
وضمن إطار سياسة اليابان الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط عموماً، والأقطار المنتجة للنفط خصوصاً من اجل تأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة ما انعكس على نحو أكثر مثالية في علاقتها مع العراق بعد الأزمة النفطية الأولى التي حدثت مطلع السبعينات، وتتجدد في المرحلة الراهنة أهمية هذا الدور في المجالات العلمية والثقافية التي لابد أن تأخذ مكانتها مقارنة بالمجالات السياسية والاقتصادية كافة، ووفقاً لذلك تسير خطوات الانفتاح على نحو متكافئ ومتوازٍ، للإفادة من الأغلاط الماضية.
أن الأمر الذي يساهم في فتح بوابة جديدة على اليابان يتضح عبر توسيع فرص تبادل الخبرات واستثمارها ضمن إطار المصالح المشتركة، فضلاً عن فسح المجال أمام الباحثين الأكاديميين وخاصة جيل الشباب الذين هم بحاجة اليوم إلى تشكيل فرق عمل للبحث العلمي وتقديم الدراسات وتطويرها لرسم صورة متميزة لمستوى العلاقات المشتركة،ومحاولة فهم تجربة التحديث وعوامل القوة والضعف فيها وتوظيف تلك التجربة كونها تعد نهضة شاملة في الخدمة العامة، وقد يتطلب ذلك من صانعي القرار السياسي العمل على بلورة الفهم الصحيح لأهداف اليابان ومصالحها الحيوية في المنطقة العربية بشكل عام والعراق بشكل خاص، كونها على صلة بوضعها في الأسرة الدولية ومكانتها.