د. نبراس المعموري
مع تزايد ظاهرة الاعلام الرقمي في المجتمع العربي، تبرز المدونات والانشطة الاعلامية الرقمية كسلطة جديدة أسهمت في اتساع مشاركة المرأة في النقاش العام وبلورة صورة جديدة عنها مختلفة عن الصورة التي رسمتها أغلب وسائل الإعلام العربية الكلاسيكية والتي كانت في العموم صورة نمطية وسلبية ، فهي إما تظهر المرأة أداة لتسويق سلعة أو مستهلكة أو جاهلة، أو زوجة متسلطة وتتجاهل صورة المرأة العاملة القادرة على الادارة والانتاج والتميز.
ان ما اشرنا له من صورة اعلامية سلبية سائدة عن المرأة العربية يجعلنا نبحث في فهم الاسباب التي ادت الى ذلك؛ من خلال رؤية تحليلية للمؤثرات أو السلطات التي تشكل مسارات الإعلام، فلا بد من الإقرار بأن للثقافة التقليدية السائدة سطوة في تشكيل الحياة المجتمعية والمؤسساتية الاعلامية كونها قائمة على مجموعة افراد يقومون بمهام عملهم ويشتركون بذات البيئة والتصورات المجتمعية ، يرافق ذلك تأثير السياسات الحكومية على الطرح الإعلامي لقضايا المرأة، فعندما تكون الأجهزة الإعلامية مملوكة للدولة خاصة في الدول العربية غير الديمقراطية ، أو حتى القطاع الخاص ؛ ففي كلتا الحالتين تعمل وفق الضوابط الحكومية, كما ان اغلب المؤسسات الإعلامية والإعلانية قد أسست لتحقيق أهداف ربحية او سياسية؛ وغالبا ما تكون خاضعة لسلطة المال، وبالتالي يكون تناول قضايا المرأة وفق قوالب نمطية سائدة، فوسائل الإعلام العربية تتجنب في أحيان كثيرة التعرض لقضايا جدلية حول حقوق المرأة والمساواة ، وغيرها من القضايا التي قد تزعج السلطة الحاكمة او اصحاب المال.
ولعل ما شخصناه بشأن الاعلام الكلاسيكي يقودنا الى ضرورة الحديث عن البديل وهو الإعلام الجديد خاصة ان بعض الاحصائيات تشير ان مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في (يوليو 2021) وصلت الى حالة الانغمار الرقمي ؛ حيث يستخدم أكثر من نصف سكان العالم وسائل التواصل الاجتماعي (4.48 مليارات شخص) بنسبة 56.8% من مجموع سكان العالم البالغ عددهم 7.87 مليارات نسمة, وقد يمتلك الشخص العادي حسابات على أكثر من 9 شبكات تواصل مختلفة.
لقد ساعد الانتشار الواسع للأعلام الجديد على توفير مساحات جيدة من الحرية للمدافعين عن حقوق المرأة بمنتهى الجرأة وعدم التقليدية، من خلال مناقشة الكثير من القضايا المسكوت عنها في الاعلام الرسمي او المملوك، وقد اثبتت دراسة ميدانية اجراها منتدى الاعلاميات العراقيات عام 2018 ان مواقع التواصل الاجتماعي اكثر تأثيرا واتساعا ومرونة في التثقيف الانتخابي للمرأة، كما اثبتت تجربة المجموعات النسوية في السودان والتي كان محظور ظهورها في الإعلام الرسمي ، بعد ان لجأن لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات، قدرتهن على تجاوز الحظر وتحقيق الانتشار وتعبئة الرأي العام بصدد مطالبهن السياسية والاجتماعية.
وعلى الرغم من المميزات الايجابية للاعلام الرقمي، الا ان المرأة العربية واجهت تحدي جديد على مستوى ذلك النوع من الاعلام ، فقد ادت حالة الانغمار الرقمي الشبكي التي يمتلكها افراد ومؤسسات الى ارتفاع مخاطر التلاعب بالمحتوى وبث الدعاية والأخبار المفبركة بشأن كثير من النساء العاملات وبالذات في المجال السياسي، وتوجيه الرأي العام باتجاه معين يخدم جهات معينة . وقد ادى غياب الرقابة والحد من تلك التجاوزات الى تراجع اقبال النساء على العمل السياسي والترشح الى الانتخابات, وخير دليل على ذلك ما حصل في العراق من هجمات رقمية على عدد كبير من المرشحات لغرض الضغط عليهن للانسحاب من الانتخابات كما في الانتخابات التشريعية لعام 2018 .
وعلى الرغم من المبادرات الذاتية التي تقوم بها منصات التواصل الاجتماعي مثل (فيس بوك) في الإشراف على المحتوى، ومراقبة السلوك الاتصالي للمستخدمين، وتحديد المعايير الأخلاقية والضوابط القانونية والاجتماعية لضبط هذا السلوك، الا ان نشاطها خلال الأعوام الماضية كان حافلًا بالخروقات والانتهاكات المتعمدة ، ولم تستطع آليات الضبط وهيئات الإشراف على المحتوى التي اعتمدتها بعض تلك المنصات من الحد من تلك الخروقات .
ان فوضى التدفق المعلوماتي خارج القواعد والمعايير الأخلاقية في منصات الإعلام الرقمي خاصة مع تعدد انواع واشكال تلك المنصات، يحتاج التفكير من قبل الجهات المعنية خاصة جامعة الدول العربية لغرض إعادة النظر في التشريعات والسياسات والاجراءات المحلية والاقليمية والدولية لإلزام المنصات وكبرى شركات التكنولوجيا بقواعد السلوك الاتصالي المنضبط للمعايير الأخلاقية حتى تصبح هذه المعايير سلوكًا طوعيًّا للمستخدمين ، والإقرار بالتجاوزات التي حصلت وما زالت تحصل ضد النساء و وضع الاجراءات اللازمة للحد منها.