الضغط الاقتصادي والأمن الغذائي 

د. محمد وليد صالح

أكاديمي وكاتب عراقي 

يبدو أن الأمن الغذائي أصبح من أهم أوجه الأمن الدولي المعاصر، الذي يظهر باستمرار في المشهد العالمي نتيجة الأزمات الإنسانية، ومقولة كيسنجر (مَن حَكَم الغذاء حَكَم الشعوب) ألمحت إلى مواقف الدول الكبرى وسلوكياتها إزاء الوقائع والأحداث الجارية، فضلاً عن تأثر صور التعامل بين القوى الدولية المسيطرة والبلدان الفقيرة، إذ إن الثانية لا تملك من أمرها وسيادتها شيئاً، فسياساتها الاقتصادية والاجتماعية باتت مرهونة بمقررات المنظمات الدولية، التي بعضها يعد أداة لفرض الهيمنة على مقدرات تلك البلدان واحتكار أسواقها وخاماتها، الأمر الذي وضع حجراً جديداً ساهم في اتساع الفجوة بينهما. 

ويشير الخبراء الدوليون في هذا المجال إلى أن مسألة الديون الخارجية تثقل الكثير من دول العالم وتحد من قدرتها على التنمية، فغالبيتها لا يستفيد منها المواطن العادي، بل تنتهي إلى صفقات تعود إلى أرصدة الدول الدائنة واستثماراتها في تلك الدول، على الرغم من إعلان الأمم المتحدة والبنك الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر وشركة ميكروسوفت وجوجل وأمازون لخدمات الإنترنت، عن إطلاق شراكة عالمية للحيلولة دون وقوع مجاعات في المستقبل.

إذ ساهم ذلك التصاعد العنيف للجوع في العالم تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الراهنة في إلحاق الأضرار بالفقراء لدى البلدان النامية، الأمر الذي أماط اللثام عن نظام غذائي عالمي هش لابد من إصلاحه، ومعالجة حالتا الجوع وانعدام الأمن الغذائي، ويكاد جميع سكان العالم الذين ينقصهم الغذاء سواء يقيمون في البلدان النامية كانوا أم الصناعية، وهناك أزمة واقعية في عالمنا معاصرة تتجسد فيها طغيان المادة والقوة، إذ تستعمل سياستا التجويع والعقوبات كأوراق ضغط للحصول على تنازلات أو لتغيير قناعات معينة، إذ مورس الغذاء أداة للضغط السياسي والاقتصادي على العراق

إن توافر البيئة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية المستقرة، من شأنها تمكين الدول من معالجة وإيجاد حلول جماعية لإشكالية الأمن الغذائي، بوصفه يعتمد على هدفين رئيسين، اولهما توفير مخزون احتياطي من المواد الغذائية، لمواجهة احتياجات السكان في الظروف الحرجة والطارئة الناتجة عن عوامل طبيعية أو سياسية أو اقتصادية محلية كانت أم عالمية، وثانيهما زيادة الإنتاج الغذائي المحلي لمواجهة الطلب الفعلي المتزايد نتيجة الزيادة الحاصلة في عدد السكان يقابلها ضغطاً على الموارد الطبيعية، لأن مشكلة الجوع تتفاقم نظراً لها، ويدخل ضمنها الاستغناء عن الاستيراد بعد توفير البدائل ومعالجة سياسة الإغراق وخاصة في الوقت الراهن، الذي يشهد تزايد الترابط بين المؤسسات والأسواق والاقتصاديات العالمية، من خلال تنسيق الجهود والمسؤوليات لمعالجة ذلك.

شاهد أيضاً

ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار

العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …

error: Content is protected !!