محمود حسني
في فيلم «بحثا عن فيلليني» (2017) لتارون ليكستون، نرى «لوسي»، التي تقوم بدورها كسينيا سولو، فتاة انطوائية تكبر في عزلة، أثناء عيشها مع والدتها، على مشاهدة سينما المخرج الإيطالي المعروف فريدريكو فيلليني، مهووسه بأفلامه، حتى تكاد تحفظها!
تتحرك أحداث العمل نحو الحبكة الرئيسة، حين تحاول لوسي التي تربّت في منزل والدتها، بعيدا عن الاختلاط بمحيطها، حتى بلغت العشرين، الخروج من مساحة أمانها، والعثور على عمل، بعد أن شجّعتها أمها في خطوة غير متوقعة، جاءت بعد أن عرفت الأم أنها مريضة بالسرطان. لكن لقاء العمل الذي كان مرتبكا، ولم يكلّل بحصولها على الوظيفة، يقودها في مصادفة إلى مكان قريب فيه مهرجان أفلام عن فيلليني.
بالنسبة لمعظم معجبي مسلسل الرسوم المتحركة «عائلة سيمبسون»، اسم نانسي كارترايت شيء معروف بالنسبة لهم، فهي من أدت صوتيا ولعشر سنوات دور بارت سيمبسون المُتسبب الدائم في المشاكل للعائلة، على مدار 28 موسما. لكنها الآن ومن خلال فيلم «بحثا عن فيلليني» تحاول أن تجد «صوتها» الخاص، من خلال تسجيلها لهذه المغامرة ذات اللمحات السريالية. فكارترايت (59 عاما) تعاونت مع بيتر كيناس على كتابة سيناريو الفيلم، مستندة في عملها إلى قصة ذاتية بالأصل عن هوسها بفيلليني، وهو ما قادها بالفعل لأن تذهب في مغامرة وحدها إلى إيطاليا، في محاولة منها لمقابلة المخرج دائم التهرب من اللقاءات.
يعتمد العمل على ثيمة «رحلة البطل»، حيث وبعد وقت قليل من تلقي لوسي مكالمة هاتفية من مساعد فيلليني يخبرها أن «المايسترو» حدّد موعدا لمقابلتها، تشتري تذكرة طيران إلى روما، لكن الرحلة وفي ظروف غير متوقعة تنتهي في فيرونا. تصل المسافرة الأمريكية الصغيرة إلى المدينة الخطأ. تفقد حقائبها في المطار، تشعر ببعض الضياع في المكان الجديد واللغة التي لا تعرفها، تتعرف إلى تشكيلي ترى في صحبته بعض أمكنة المدينة بعد ليلة أولى غريبة تصادف فيه مجموعة يصطحبونها إلى ملهى للرقص. وبعد كل هذه الأحداث المتسارعة المفتقدة لشيء من الترابط على نحو ما، تبدأ رحلتها عبر إيطاليا من أجل لقاء مخرجها المفضل. ورغم أن الحكاية تحمل بطبيعة ثيمتها شيئا من التشويق، إلا أن ثمة شعورا بفقدان بعض المكونات الضرورية، وهو ما يقودك في النهاية إلى الوصول إلى افتقاد الفيلم شيئًا من التماسك. فرغم دفقات المشاعر الواضحة، نجد بعض المشاهد مكتوبة على نحو مباشر، وفيها شيء من الركاكة في الحوارات، وهو ما يكون تأثيره ملحوظًاعلى الأساس الواعد للعمل.
ثمة لحظات ضمن مشاهد الذروة، يبدو أن طاقم العمل تخلوا فيها عن مرحلة المونتاج. لحظات كانت ستساعد كثيرًا على ترك أثر أكثر قوة للحدث، فتجعل الانطباع يدوم لوقت أطول بعد انتهاء المشهد. الشيء نفسه حدث في المشاهد الختامية من العمل، حيث لا يظهر بوضوح كيف آلت مصائر الأشياء إلى ما هي عليه. وقد يكون هذا أحيانا ذو وقع إيجابي، لكن هذه المرة أثّر هذا على ترابط الصفة التتابعية للحكاية الدرامية، في المشاهد ومسارات الأحداث حتى نهاية العمل. في عمقه، ربما يتقاطع الشريط مع الفيلم الحاصل على أوسكار «منتصف الليل في باريس» للمخرج الأمريكي وودي آلان، حيث تظهر صورة مثالية لدولة أوروبية في عيني أمريكي يحاول أن يعثر على نفسه في مكان آخر. الصورة المثالية هذه تفرض بطبيعتها الاختزالية إظهار الشخصيات الأوروبية أحادية الجانب، مُسطّحة، تتحرك عاطفيا بدون أن يقاومها شيء من صعوبات الحياة. وهو الأمر الذي يضعف تركيب الدراما، التي تعتمد في الأساس على تعقّد جوانب الشخصيات الرئيسة ـ على الأقل ـ في العمل. ربما سيجد محبو فيلليني في الفيلم شيئًا يلمسهم، سواء كانوا هم أو محبي الأعمال ذات الطابع الذي يخوض فيه البطل/ة رحلة مستكشفا أمكنة أخرى في سعي وراء شغف يملكه. كما أن سينماتوغرافيا كيفين جاريسون فيها شيء يشع ألقًا خلال المشاهد، رغم أن تتابع اللقطات لم يكن على النحو الأمثل بسبب تفضيل أن تكون أجواء العمل ذات وقع غرائبي غير مترابط زمنيا في بعض اللحظات. ربما تبدو نهاية العمل أطول من المعتاد، خاصة ولوسي تحاول الربط بين ما يحدث في اللحظة الآنية وذكرى تمر بها عن والدتها. وهي أشياء تعود بوضوح لرؤية كتابة سيناريو الفيلم، أي إلى كارترايت، كاتبة سيناريو العمل، التي ستعود هي إلى تأدية دورها في عائلة سيمبسون مرة أخرى. لكنها في الوقت نفسه تأمل أن تخوض تجربة كتابة عمل جديد. وأن تستمر في البحث عن صوتها الخاص، بعد تجربة أولى لا تزال غير كافية للحكم على ما يمكن أن تأتي به الكاتبة!