تجليات العشق الالهي للفنان التشكيلي المتصوف إياد الموسوي

 دنيا علي الحسني 

 إن هذه الحياة أقصر من شهقة وزفيرها فلا تغرس فيها الا بذور المحبة، جلال  الدين الرومي .  مولانا جلال الدين الرومي هو محمد بن محمد  بن حسين بهاء الدين البلخي  

واحد من أبرز أعلام التصوف في التاريخ  الإسلامي، وبالإضافة لكونه فيلسوف وأديب وشاعر وفقيه ومنظر وقانوني صوفي ، المولود في سنة  (1207) في مدينة بلخ واليوم تقع في افغانستان والمتوفي في سنة (1273)، في “قونية” عاصمة سلاجقة الروم دولة “تركيا” اليوم، ودفن فيها وقبره مايزال إلى اليوم مزار في تلك المدينة.

والرومي صاحب العطاءات والإنتاجات التي أكتسبت شهرة واسعة على مر العصور وكذلك عالمية كبيرة ، حيث أصبحت نتاجاته الشعرية مراجع يستفاد منها في العديد من المجالات، خاصة ذلك المكتوب باللغة الفارسية، ويعد أبرز ما ألف جلال الدين الرومي، كتاب عنوانه «المنثوي»، الذي يبحث في أصول الدين لكشف أسرار الوصول واليقين، وهو فقه الله الأكبر وشريعته، وبذلك لم يكن كتاب خاص بالصوفية أو شعارا فقط، ولكنها منهجاً يتبع تعاليم السلام القويمة، ووصفا للإسلام متحدثا عن الله الظاهر والباطن، وحكماً بل منهج كامل لفهم الدين وحقيقة الإيمان بالله والغيب ، وتُرجم إلى نحو 26 لغة حول العالم.

 أن الطريق الروحي أو التصوف عند “جلال الدين الرومي” قد أكد في مثنوياته التلازم الوثيق بين الشريعة والحقيقة فقال : الشرع مثل قنديل يضيء الطريق فإذا كنت لا تحمل القنديل لا تستطيع أن تمشي، وعندما تتقدم في الطريق تكون رحلتك هي الطريقة، وعندما تكون قد وصلت إلى الهدف تكون قد بلغت الحقيقة . 

 وتقول الرواية التاريخية إن والد جلال الدين الرومي كان معارضا لسلطان بلخ فأجبره على مغادرتها، حيث أنتقل جلال الدين الرومي مع عائلته وكان مايزال  فتى من مدينة بلخ الى قونية في بلاد الروم،  ومن هذا أكتسب لقب الرومي، بسبب مكوثه وإقامته فيها، وحينما انتقل مع عائلته الى قونية التي حطت رحالهم فيها، بعد رحلة طويلة مروا خلالها بالعديد من البلدان والمدن، والتي مكثوا فيها لفترات زمنية معينة قبل أن يكملوا المسير وصولا الى قونية، مثلا اقاموا في بغداد فترة ثم ذهبوا إلى الحج في المكة المكرمة وغيرها.  

تلقى الرومي في بداية الأمر علومه على يدي والده العارف والعالم بأصول علوم الشريعة الذي كان فقيها في المذهب الحنفي، ثم تتلمذ على يد عدد من أساتذة وعلماء الشام وحلب ومتصوفة  كبار أخذ عنهم العلوم الشرعية والعقلية ومباديء علم التصوف، وبعد وفاة والده انكب على دراسة التصوف وإرتحل وجال من أجل هذا الغرض بين عدد من البلدان، وخاصة كان يذهب دائما إلى دمشق وحلب حتى يتبحر في مجال التصوف أكثر  وكان الرومي دائما محط أعجاب واستحسان من كل الأساتذة، وكل الذين خالطهم، ومنهم الشاعر الفارسي الكبير ( فريد الدين العطار النيسابوري ) كما تنقل المصادر قد بشر والد الرومي بنبوغ أبنه سيكون له شأن كبير في المستقبل.

وذلك عند قدوم  المغول واجتياحهم للمنطقة وهجرة عائلته من مدينة بلخ الى قونية في مدينة نيسابور كان لقاء الرومي هناك مع هذا الشاعر الصوفي (فريد الدين العطار) الذي اهداه ديوانه  (أسرار نامه) والذي أثر فيه وهو شاب ، وكان الدافع لغوصه في عالم الشعر والروحانيات والصوفية، فيما بعد توجه والده مع عائلته الى “قونية” عاصمة السلاجقة ليكلف بإدارة مدرستها، وفي المدرسة تلقى الرومي العلم على يدي والده، ويدي الشيخ (سيد برهان الدين) محقق “ترميذي” الذي أثر بشكل كبير في تكوين شخصية “الرومي” التي عرفها العالم فيما بعد. وهناك لقب (بجلال الدين الرومي). 

 بعد فترة ساق القدر الرومي لمقابلة شخصية تركت أثرها الكبير عليه سواء على شخصه وفكره وتصوفه وهذه الشخصية ، هي العارف الرباني (شمس الدين التبريزي) الذي أصبح المعلم والمرشد وحتى الملهم، “لجلال الدين الرومي”، وهذا اللقاء الذي أثر فيه جعله ينغمس في التصوف لينشغل بعده في مواصله مسيرته كفقيه، وترك وراءه آرث ضخما من المصنفات المتنوعة لمن بعده.تلك الطريقة الصوفية التي  أسسها المعروفة بالطريقة ( المولوية ) المنسوبة الى كلمة مولانا، اختصرت أمور كثيرة وتفاصيل ومحطات متعدده في حياة “الرومي” لكي يتسنى لنا المجال للتعريف ببعض أركان مذهبة وتصوفه واراءه الفلسفية والدينية والعقائدية بالدرجة الأولى وسيكون هذا التعريف والبحث من كتابة الأشهر “المثنوي” من أهم مؤلفاته هو منظومة فلسفية صوفية راقية و ثمرة فكر الرومي، الذي يحتوي على أراءه وأفكاره ويحتوي على عشرات الآلاف الأبيات الشعرية المكتوبة بالفارسية، ولكن يتخللها أبيات كتبها الرومي سواء بالعربية أو بالتركيا، حيث وظف “جلال الدين الرومي” عبقريته الشعرية والفكرية في خدمة مذهبه وطريقته الصوفية، وذلك من خلال الشعر والحكايات والقصص والأمثال الرمزية التي يزخر بها هذا الكتاب، الموضوع الرئيسي والأساسي لكتاب “المثنوي “يدور حول محبة الله والسعي إلى ذلك الحب الإلهي،  وأهم الأفكار التي يؤمن بها الرومي من زاوية الأكثر أهمية العقائد الإيمانية بالدرجة الأولى، فيما طرحه في هذا الكتاب من أسرار و قضايا ومواضيع أدبية أو فلسفية مهمة التي يحفل بها كتاب “المثنوي” ولفك بعض أسرارها والغازها.

 في بداية هذا التعريف ينطلق تصور (جلال الدين الرومي) للذات الإلهية من عقيدة وحدة الوجود الصوفية، فالله سبحانه والعالم كما يرى الرومي والعقيدة الصوفية، هما في وحده واحدة ، أن الرومي كان يؤمن بالمطابقة والاتحاد بين الله والعالم واحد، وبأن الله ليس مجردا أو خارجا عن  هذا العالم، الله يتجلى في كل ماهو موجود وهو في صلب وجوهر هذا العالم، يقول في “المثنوي”حول عقيدته هذه : (أن وجود العالم واحد وهو ذات الله تعالى، ولم يكن سواه شيء وكل ماهو موجود في الحقيقة إنماهو تجليا عنه)، وفي مكان أخر في “المثنوي” يقول شعرا،(كنا جوهرا واحدا كأننا الشمس ، كنا بلا عقد نتميز  بالصفاء كالماء) ، ( يا خفيا قد ملأت الخافقين قد علوت فوق نور المشرقين، أنت سر كاشف أسرارنا أنت فجر مفجر أنهارنا، يا خفي الذات محسوس العطا، أنت كالماء ونحن كالرحى، أنت كالريح ونحن كالغبار، تختفي الريح وغبراها جهار )، وفي هذه الأبيات واضح المغزى من خلال كل شيء والأشياء ماهي إلا تجليات لله سبحانه وتعالى، وفي مكان آخر في “المثنوي” نراه يوضح علاقة الله بكل شيء وعلاقة كل الاشياء بالله، من حيث أن الله جوهر كل الاشياء فيقول على سبيل المثال:  مخاطبا الله، 

( أنت كالربيع ونحن في نظارة الروضة المخضرة، والربيع مختفياً بينما فضله واضح لكل بصر)، (أنت كالروح ونحن كاليد والقدم ، وقبض اليد وبسطها من عمل الروح)،( أنت كالعقل ونحن مثل لسانه وهذا اللسان يستمد بيانه من العقل)، وهذه الإشارة واضحة الى أن الله والعالم في وحدة واحدة، وكون الله حال يتجلى في هذا العالم وفي كل شيء تجلي لقدرة وارادة الله سبحانه وتعالى.

الأعمال الفنية بريشة الفنان إياد الموسوي

شاهد أيضاً

٤٥ ألف كتاب مجاني بأكبر مهرجان للقراءة في العراق

انطلاق الموسم ١١ لمهرجان “أنا عراقي أنا أقرأ” بحضور أكثر من ٣ آلاف شخص شهدت …

error: Content is protected !!