فيصل عبد الحسن
الكتابة عن علاقة الحب بين المرأة والرجل تناولها الكثيرون من الروائيين في العالم، وبالرغم من أنَّ الثيمة واحدة، ولكن اختلفت أساليب الطرح والمعالجة. وفي روايته الأخيرة “بأي ذنب قُتلت” يغوص الكاتب المغربي محمد القصابي في عوالم الحب المتشابكة من خلال يوميات زوجة إمام جامع كتبتها بحرقة وألم عن علاقة حب زوجها محمد بـ”كوثر” التي لم تنسه فيها السنون.
تعري الرواية أسرار الحبِّ، دوافعه، نوازعه، آلامه وجنون أصحابه في بعض الأحيان، حيث حملت آهات رجل حرم من حبيبته التي أحبَّها حين كان طالبا في أحد الأقسام الداخلية، في شبابه، وبالرغم من دراسته الدينية التي كانت ستؤهله ليكون أحد أئَّمة الجوامع في المستقبل، فهو لم يتخلَ عن حبه. جاء محمد إلى هذه المدرسة الدينية بناء على نذر والده له هذا النوع من الدراسة بالرغم من معارضة أمه، وقريبا من المدرسة يشاء القدر أن يلتقي بكوثر، التي أحبَّها حبّا أقوى من كل المحرمات التي فرضها عليه تعليمه الديني.
يقول القصابي عن روايته “تحكي الرواية عن حياة شاب صغير اشتعل في قلبه لهيب الحبّ شعلة كما النار، لم تنطفئ حتى ماتت روحه، محاولا بالكتابة أن يخلد حبيبته، حتى يمنعها من الموت عبر سطور هذه الرواية. أمنيته أن يذكرها الجميع ويعلم العالم أنَّ في هذا العالم كانت فتاة اسمها كوثر”.
حملت المأساة القصابي للكتابة فيقول عن ذلك “كما يجبر الجندي على حمل السلاح وقت الحرب، فقد أُجبرت على حمل القلم وقت الحبّ، أو لا تستوي الحرب والحبّ؟ ألا يمنعهما أن يكونا مع بعضهما سوى تلك الراء الملعونة؟ بل ألا يستوي السيف والقلم؟ سمعت أنَّ كليهما حادان، وفي القلب يُغرسان”.
الرواية كتبت لرثاء معشوقة فقدها حبيبها إلا أنَّها أيضاً امتلأت بالطرف، والمفارقات الهزلية عن حيوات الشيوخ الصغار الذين يتم إعداداهم في المدرسة الدينية.
ويقول في إحداها إن الطلاب لم ينالوا نوما كافيا طيلة وجودهم في تلك المدرسة. وكان البعض منهم يجد متنفسا لنعاسه، في صلاة الصبح، فينام واقفا خلال قراءة الشيخ لسور طويلة في الصلاة “كان الإمام يطيل كثيرا في الصلاة، فكانت متنفسنا الوحيد للنوم، إلى أن وصل الأمر بالبعض للسقوط وسطها”. وقوله في مكان آخر “لم أكن أفهم كلام الطلاب في معظم الأحيان، فمنهم الريفيون، ومنهم من كان ينتمي إلى غرب المغرب، فكانوا يتكلمون بلغة ــ السجناء ــ وكيف لا وهم خلف أسوار العالم مسجونون. وقد كان سر اللهجة في إرجاع الحرف الأول آخر الكلمة، وتعويضه بحرف الميم، كقولهم (محبك أ) وتعني أحبك”.
ورغم ما في الرواية من تشابك مع حياة مؤلفها، إلا أنها لا تمثل سيرة ذاتية، فهي تروى على لسان امرأة، لذا حملت اليوميات كل أخطاء المرأة غير المتعلمة في الكتابة. أخطاء بالنحو والإملاء والأسلوب وتكوين الجملة، واختيار كلمات غير مناسبة لوصف حدث ما مر بحياة زوجها. فعندما تتحدث عن الحارس العام في مدرسة زوجها، تكتب بلسان زوجها “فكنت أعتبره أحمقا”، انظر إضافة الألف إلى أحمق بدل الفتحة، و”سأسطر سطورا كتبت بماء عيوني، لتسقي خدودي”، والصحيح “بماء عيني، وتسقي خدي”، و “عندما رأيت وجنتاك، وأطلقت بصري في مقلتاك”، والصحيح وجنتيك ومقلتيك، و”تورمت يداك الجميلتين” ص28 والصحيح “يداك الجميلتان” وهذه نماذج قليلة لعثرات كثيرة نحوية ولغوية مقصودة في النص. ويبدو أنَّها اخطاء الزوجة أبقاها الكاتب كما هي.
وتسرد الزوجة كيف مضت أيام الحبّ بين الحبيبين محمد وكوثر، حتى أكمل زوجها دراسته وعاد إلى مدينته، لكي يعمل في مجاله الديني، ويواصل دراسته العليا. ويرسل خلال ذلك رسائل الحبّ إلى كوثر، التي يبدو أنها أحست أنه قد صار بعيدا عنها “والبعيد عن العين بعيد عن القلب أيضا” لذلك قررت عدم الرد على رسائله من دون مبرر واضح. وقطع الشيخ الأمل بأي جواب من الحبيبة البعيدة، واستطاع أبوه وأمه إقناعه بالزواج من سارة، قريبة أمه، فيتزوجها وينشغل بحياته وينجب الزوجان الأطفال، ويقتنع بحياته الجديدة. وتبقى كوثر كذكرى تراوده بين الحين والآخر، إلى أن يعودا للالتقاء صدفة.