عدنان أبوزيد
لازالت الصورة بين العرب والغرب، تخضع الى التشويه المتعمّد، أو غير المقصود الناجم عن سوء الفهم، على الرغم من الانفتاح الثقافي والإعلامي في عصر التواصل، الذي يفتح نوافذ حوار مباشر، وينقل المشاهد الآنية اليومية على حقيقتها.
وفي حين انّ طائفة من العرب لاتزال تنظر الى الغرب الأوربي على انه صانع المؤامرات، والمتقدم علميا وصناعيا، وتتوهم بان مجتمعاته منحلّة اجتماعيا ودينيا، فان الكثير من الاوربيين لايزالون ينظرون باستعلائية الى العرب، وانهم ليسوا سوى فولكلور يزيّن صفحات التاريخ، بعد فشلهم الذريع في اللحاق بموكب العصر.
ارتبط قيام الدول العربية الحالية بخرائطها المعروفة، بالغرب، ولم يكن العرب وقتها يعرفون عن الأوربي، سوى انه مستعمر لبلادهم، فيما كانت اعداد يسيرة من الجاليات العربية قد هاجرت الى البلاد الاوربية.
لكن، وعلى الرغم من الكراهية المنتشرة للغرب، اضطر ملايين العرب الى الهجرة اليه لتتفاجأ بمجتمعاته المتسامحة والإنسانية، وحكوماته التي توفر الحياة الكريمة حتى للغرباء واللاجئين، وقد أدى ذلك الى انقلاب في المشهد، وانسحب البساط من الأفكار المتطرفة تجاه الغرب، وزاد انبهار العرب به، وهم يتحسرون ويتألمون على الفارق بينهم وبين هؤلاء الذي استعمروا بلادهم يوما، الى الحد الذي طالب فيه المئات من اللبنانيين، بعودة الانتداب الفرنسي الى بلدهم حين زارهم الرئيس الفرنسي، هذا العام.
يجب ان نعترف بان “البغضاء” للغرب تنحسر، ويسود محلّها الانبهار، وهو أمر تدلّل عليه الاحداث، والكتابات. والسبب يعود الى إخفاق العرب في بناء الدولة، التي لم تنجح في الوصول الى مستويات جيدة من العيش والتعليم، والاستقلال، والثقافة، بل حتى الدول التي يُشار لها بالتطور، لاسيما دول الخليج، ما هي الا حضارات خدمية، أسّستها وحرّكت أدواتها، العقول والشركات الغربية.
لنقرّ أيضا، بان التنظير المخادع للحداثويين العلمانيين، والإصلاحيين الاسلامويين، وجلّهم يمقتون الرأسمالية الغربية، لم يؤسسوا لديمقراطية عادلة، وتسببوا في انهيار الهوية، بعد انحسار الفكر القومي، الذي قاد حركات التحرر، فيما السيناريوات عادت الى الارتباط بالقوى الغربية العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة، لأنها لازالت هي المتفوقة، ولو تفوّق العرب على شاكلتها، لكانوا اليوم مصدر قوة متكافئة.
لقد مضى زمن طويل على انجلاء الاستعمار من البلدان العربية، لكنه يعود الآن على شكل قوة ناعمة مهيمنة تستثمر في
الثقافات، وأنماط العيش، والطاقة والموارد، التي لم يستثمرها العرب سوى في الحروب واستيراد الأسلحة، وفساد المشاريع، والارصدة في البنوك الغربية.
إنّ شعوبا عظيمة مثل اليابان والصين، وكوريا الجنوبية، لم تكن أقل شأنا في صراعها مع الغرب عليها، لكنها لم تُرجِع أسباب تخلّفها اليه، بل الى علةّ فيها، وعجز يعتري بنيتها، فنهضت بعد انْ تخلّت عن أفكار المؤامرة التي تدفع الشعوب الى القصور والخوف، ونبذت الشعارات العريضة في الوطنية الزائفة والعواطف الجياشة، التي تتبنى الكراهية التاريخية، لتتجه الى البناء، والعمل، معتبرة ان الاستقلال الحقيقي، يكمن في التطور والمنافسة الحضارية.
نشر كلير هولينجورث، العام 1952 كتابه “العرب والغرب” وتوقّع فيه ان المنطقة العربية سوف تلتهب بالحروب، التي تستهلك الشعوب ذاتيا بسبب البنية القبلية والدينية، والتاريخية، وسوف يعجّل النفط من اشعال الفتيل، وهو ما حدث بالضبط.