شيروان الشميراني
احزاب السلطة في العراق واجهت ثلاثة تحديات كبرى خلال سنة واحدة، من الصيف الماضي لغاية الان، اولا التظاهرات، ثانياًالمرجعية الدينية، ثالثا مصطفى الكاظمي.
في التعامل مع التظاهرات لم تتردد الحكومة السابقة و لا الاجنحة العسكرية للأحزاب التي لا تهتم و لا تفكر سوى بمزيد من السرقة و الفساد، من التصدي الدموي و اللجوء الى القمع و القتل و الاختطاف، مئات القتلى و عشرات الالاف من الجرحى، و عشرات المختطفين، كل ذلك خلافا لكل المعايير الدينية و الانسانية و القوانين الدولية، تخريب ماكان من بقايا الاعمار و الدوس على جل القيم الوطنية، في إزدراء كامل للروح الوطنية و اخلاقيات المسؤول، و مع هذا لم تنجح، لم تنجح في اخماد الروح الثائرة، و نجحت هي في الاطاحة بالحكومة التائهة…
التحدي الثاني كان الاصعب و مازال هو الاصعب في تجاوزه، و هو حضور المرجعية الدينية في الميدان الى جانب المتظاهرين بتأييد المطالب عبر سلسلة من البيانات و المواقف التي كانت تعبر عنها في خطبة الجمعة..
ثقل هذا التحدي يتشكل لان الاحزاب التي تحكم و بيدها مفاصل الامور و التي كانت تهدد و تقتل المتظاهرين هي التي تدََّعي الانتساب الى المرجعية الدينية و تأخذ قوتها منها، المرجعية وقفت من اول يوم في مواجهة الحكومة الى جانب المتظاهرين، و هي التي حسمت أمر حكومة عادل عبدالمهدي بعد أن امعنت في سفك الدماء أملاً أن يرعب المتظاهرين و يردعهم من الاستمرار في الاحتجاج، لكن الاصرار و سند المرجعية و طلبها الواضح من البرلمان أن يؤدي دورها في مصير الحكومة العاجزة، دفعت الحكومة الى الاستقالة بعد سويعات من حديث منبر كربلاء..
التحدي الثالث هو مصطفى الكاظمي، أول رئيس حكومة متحرر من القيود الحزبية، و تم القبول به على مضض، و الا فان الامر ماكان يمكن الحدوث لولا الضغط المستمر من المتظاهرين و المرجعية الشيعية في النجف، و اقصد هنا بالسيد على السيستاني، و الا فأن بعض من المراجع ممن يسمع لهم كان مع الحكومة، و كان يحرض الشباب الشيعي على الامتناع من التظاهر، بذريعة ان ذلك يؤدي الى اخذ الحكم من الشيعة، هو المنطق نفسه للحكام الذين جل همهم البقاء في السلطة بهوية محددة دينية او قومية كيفما كانت تلك السلطة…
لأول مرة منذ ٢٠٠٣ يتكون حكم في العراق خارج المنظومة الحزبية، أو رغما عنها، فالان في العراق توجد ثلاث ارادات صارمة، تريد التغيير، و تلاقت هذه الارادات، مع ان الدولة العميقة لأحزاب في الادارة مازالت هي التي تدير الشؤون.
لكن هل الاحزاب المتسلطة استسلمت؟
بالتأكيد الجواب لا، لماذا ؟ لانها ترى نفسها متضررة و البلد يربح، لكن مشكلة الأحزاب المتسلطة هي أن البلد متجسد فيها هي، و ليس العكس، و لهذا تقيس الامور و الاحدث وفقا لمصلحتها هي، وليس مصلحة عموم الشعب…
من يمتلك القليل من الحس السياسي و الوطني، و ابجديات الفهم، يعلم ان الحكومة الانتقالية المؤقتة، تعني، الانتخابات المبكرة، و القانون الانتخابي، ليس مقدسا، بل يتغير و فق المتغيرات العقلية و السياسية، لكن الان، تلك الاحزاب تناطح من اجل التأجيل، لان حالته الشعبية سيئة للغاية، كما ان نجاح الحكومة الراهنة تعني فشلها هي في الماضي و المستقبل، خاصة مع انتشار روح الاستقلالية السياسية او الحزبية لدى الجمهور الاعظم من العراقيين، هذا التململ و العناد تمت مواجهته ببيان صارم و حاسم من مرجعية السيد علي السيستاني، تضمن محاور اساسية بكلمات واضحة مؤكدة على، الانتخابات المبكرة و توفير الشروط الضرورية لنجاحها و نزاهتها، القضاء على الفساد باجراءات جادة، و الاهم هو تقديم القتلة خلال الحركة الاحتجاجية السنة الماضية الى العدالة، و هذه النقطة هي التي كانت تبحث عنها الحكومة و هي التي تحتل موقعا يعتبر ميزانا للحكومة الحالية و ادعاءاتها المتعلقة بتحقيق العدالة، لأن المتهمين في نظر الشعب بالولوغ في القتل هم من اصحاب النفوذ من الذين لا تقدر الحكومة على تنقيذ القانون بحقهم، هنا الكاظمي اذا تكمن عبر مؤسسة القضاء بتحقيقات دقيقة و بعيدة عن تأثير الاحزاب عبر رجالهم المبثوثين في مجمل دوائر الدولة، لو نجح في ذلك، فان الاقتصاص يحدث و لن يعرقل مهما كان صعباً، لو فعل ستكون هذه الحكومة هي حكومة الشعب، و هي التي ينبغي ان تستمر..
بيان المرجعية هو التلاقي مع مصطفى الكاظمي و كلماته مؤيدة لسياساته و إجراءاته، هو دعم كبير له، لم يحدث ان حصل ت عليها حكومة سابقة، و اصطفاف بالتمام و الكمال مع الحركة الاحتجاجية، و مطالبها، و وقوف في وجه تردد او امتناع الاحزاب الحاكمة المتعفنة، و يبقى الحديث عن هيبة الدولة لكمة في وجه الفصائل المسلحة..
شاهد أيضاً
ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار
العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …