كاظم حبيب
عرف الشعب الأمريكي، ومعه العالم كله، عدداً من الرؤساء الأمريكيين الذين تميزوا بمواصفات غير حميدة، منها الجهل بأمور العالم والسياسة الخارجية والتطرف اليميني والكذب مثل ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان وجورج دبليو بوش الأبن، ولكنه لم يعرف أبداً رئيساً كالرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، الرئيس الجديد الذي يقطن اليوم في البيت الأبيض ويحمل شعار الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، وهو يعبر عن محتوى الشعار المعروف لألمانيا النازية الهتلرية “ألمانيا فوق الجميع”، فهو يحمل كل هذه السمات السيئة، ولكنه يفوقهم، كما يقول جيرمي د. ماير، المحاضر الربح من الانترنت في جامعة جورج ماسون في السياسة الخارجية والإعلام، في عنصريته والذي يطلق كذبة ثم يصدقها ويقتنع بصحتها. ولكن الناس المحيطين به والذين يستمعون إلى أكاذيبه مقتنعون بأنها ليست سوى “روث البقر”، أي فضلاتها، والتي لا يصدق بها إلا من كان من صنفه. (المصدر: برلينر تسايتوگ Kordula Doerfler und Damir Fras, Interview mit Jermy D. Maxer, Berliner Zeitung, Nr. 11, 13./14. Januar 2018, S. Magazin, S. 1u. 2). فهو لا يستحي من أكاذيبه كما لا يستحي من أحد. وهذه الشخصية ذات الأطوار الغريبة قد شتم الكثير من الشعوب وأساء إليها بعبارات قاسية، ومنها أخيراً الشتيمة العنصرية التي وجهها للدول الأفريقية وهاييتي والسلفادور حين وصفها بـ “حثالة الدول” أو “الدول القذرة” أو “الأوكار القذرة”. وكان النص الذي نقل عنه في اجتماع له مع أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي من الحجزبين الجمهوري والديمقراطي قوله التالي: “لماذا يأتي كل هؤلاء الاشخاص القادمين من حثالة الدول إلى هذا البلد؟”. وقد احتج الاتحاد الأفريقي على هذه الإهانة والإساءة المتعمدة والوقحة الموجهة لشعوب قارة بأسرها وكل الناس من أصول أفريقية أو ممن هم من دول مثل هاييتي والسلفادور مثلاً. “فقد طالب سفراء 54 دولة إفريقية بالأمم المتحدة في بيان شديد اللهجة، الرئيس الأميركي دونالد ترامپ بالاعتذار والتراجع عن تصريحات وصف فيها بلدانهم ودولا أخرى بـ”الحثالة”. وبعد اجتماع طارئ في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، قالت مجموعة السفراء في بيان، إنها “صُدمت بشدة”، وبأنها “تدين الملاحظات الفاضحة والعنصرية والمتضمنة كراهية للأجانب”. (المصدر: لأمم المتحدة: 54 دولة إفريقية تطالب ترمب بالاعتذار https://www.souriyati.com/2018/01/13/93192.html ، موقع سوريتي بتاريخ 13/01/2018).
هذا الرجل بدأ يقدم للعالم كل يوم تقريباً سواء بتصريحاته أم بـ “تغريداته” على التويتر ما يجعل العالم يسخر منه ومن الذين انتخبوا مثل هذه الشخصية القرقوزية من جهة، والخطرة والمحملة، كما تشير إلى ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، بروح ورائحة عنصرية نتنة من جهة ثانية، وبسبب راديكاليته اليمينية المتطرفة ورغبته في المزيد من تسليط الاستغلال على الكادحين بالولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثالثة. وهو صاحب القول كان على الولايات المتحدة الأمريكية “أن تأخذ النفط” في العراق عام 2003، مشيراً إلى أنها “لو فعلت ذلك (وقتها) لما ظهر داعش”، متابعاً: “ربما ستكون هنالك فرصة أخرى”.. (المصدر: ترامپ: كان على أمريكا أخذ نفط العراق في 2003 وربما ستكون هنالك فرصة أخرى لذلك، موقع رووداو، 22/01/2017″).
هذا الرئيس الذي سخرت شعوب العالم منه وضحكت عليه، كما أغضبها تصرفاته السياسية ومواقفه إزاء المرأة وشعوب البلدان النامية، لم يستطع حتى الآن كسب الدول الأوروبية إلى جانبه حتى تلك الدول الأقرب من غيرها إلى الولايات المتحدة مثل بريطانيا وألمانيا ولاسيما تريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، وأنجلا ميركل، مستشارة ألمانيا الاتحادية وأغلب مسؤولي دول الاتحاد الأوروبي. هذا الرئيس بالذات يسخر، وبكل ما لهذه الكلمة من معنى من شعوب الدول العربية ويضحك بملء فمه على ذقون الحكام العرب، وهم راكعون له ومسبحون بحمده ودافعون له ما يشاء من أموال من أموال شعوبهم المقهورة بسياساتهم الاستبدادية وعنجهيتهم.
وأخيراً وليس أخراً قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل دون أن يأخذ بالاعتبار قرارات مجلس الأمن الدولي وموقف العالم كله من هذه القضية الشائكة والمعقدة والتي وضعت ضمن الحل النهائي لحل القضية الفلسطينية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. إذ “أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامپ بتاريخ 07/12/2017 في خطاب متلفز من البيت الأبيض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقال إنه وجه أوامره للبدء بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما أكده وزير خارجيته ريكس تيلرسون، ورحب نواب أميركيون بالقرار.” (المصدر: المصدر: الجزيرة + وكالات 7/12/2017). ولم يكتف بذلك بل هدد كل دول العالم، وهي الدول النامية، بأنه سيقطع عنها المساعدات التي تقدم بها، وهي في الغالب مساعدات عسكرية وغذائية، والتي تمنح من الأرباح التي تتحقق للولايات المتحدة الأمريكية واحتكاراتها من اقتصاديات الدول النامية، وهذه المنح والمساعدات ليست جزءاً يسيراً مما تحقق ويتحقق لها من أرباح.
ولم يثر هذا الموقف سخرية العالم فحسب، بل وأثار غضب جميع دول العالم تقريباً، عدا إسرائيل وتسع دول أخرى صوتت ضد القرار في اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة نتيجة لتهديد ترامپ وسفيرته في الأمم المتحدة. وقد اثار غضب شعوب وحكومات العالم، أكثر مما اثار غضب حكومات الدول العربية المستكينة للولايات المتحدة، والتي لم تكن قرارات مجلس الجامعة العربية حتى الآن بمستوى الرد المطلوب على قرار هذه الشخصية الغريبة بشأن القدس.
وخلال زيارة ترامپ للمملكة السعودية اتفق مع الحكومة السعودية على عقود يبلغ مقدارها بين 400 مليار دولار أمريكي لشراء الأسلحة ومعدات عسكرية ونظم دفاع عسكري وعقود أخرى …الخ، (المصدر: موقع الوطن بتاري 21/05/2017). كما إن المتحدث باسم البيت الأبيض أكد: “إن الرئيس ترامپ ووزير الخارجية تيلرسون حضرا مراسم توقيع عقود تسليح بنحو 110 مليارات دولار.” (المصدر: اولى ارباح ترامپ من السعودية .. عقود تسليح بـ 110 مليارات دولار، موقع قناة العالم، بتاريخ 20/05/2017). كما إن حكومة ترامپ وقعت عقداً مع قطر بمقدار 12 مليار دولار أمريكي لشراء مقاتلات أف 15 في شهر حزيران 2017. إضافة إلى عقود أخرى مع دول عربية خليجية وغيرها.” وهذه الأموال المدفوعة أو التي ستدفع للولايات المتحدة الأمريكية ستسرق من لقمة عيش الشعب في المملكة السعودية ولاسيما الفقراء والمعوزين والذين يعيشون عيشة الكفاف. وهي أموال تدفع لشراء الأنظمة الجديدة من الأسلحة لتساهم في قتل المزيد من البشر في اليمن أو في سوريا أو العراق أو لتشديد الصراع والدفع باتجاه حافة الحرب مع السعودية غريمها المماثل لها في الاستبداد والقهر في المنطقة.
إن الإحباط الذي تعيشه شعوب الدول العربية لن يدوم طويلاً، وفجأة ستهض، بع أن يكون كأس الغضب قد امتلأ، عندها سيتجد حكومات هذه الدول نفسها أمام ربيع شرق أوسطي جديد يمكن أن يكنسها ويرمي بها في براميل القمامة، وهو المكان المناسب لها، لما تسببت به حتى الآن من الآم وكوارث وحرمان على شعوب المنطقة. إن الشعوب تمهل ولا تهمل، والظلم إن دام دمر.