إن لم يكن القانون.. من يوقف زواج القاصرات في العراق!؟

صوتها – بغداد

تشكل ظاهرة الزواج المبكر في العالم كله خطرا يهدد سلامة المجتمعات صحيا ونفسيا واقتصاديا مخالفا القوانين والمواثيق الدولية المختصة بالسن المناسب للزواج والقدرة على تكوين اسرة ناجحة. كشف حقوقيون وناشطون عراقيون، عن ارتفاع معدلات زواج القاصرات خلال العام 2016 الماضي، إذ تم تسجيل ما يقارب 500 حالة زواج لهنّ في العاصمة بغداد وعدد من محافظات جنوب البلاد؛ وبعضهن لا تتجاوز أعمارهن 11 و12 سنة.

وترصد الاحصاءات الدولية، استمرار تزويج نحو 14 مليون فتاة قاصر حول العالم سنويا، وذلك ارتباطا بعوامل الفقر والجهل والخضوع للعادات والتقاليد في بعض الدول. كما تكشف الاحصاءات الدولية، ان العالم العربي، يشهد تزويج فتاة من سبع قبل بلوغها الـ18 من العمر بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان (2012)، وذلك ارتباطا بالنظرة التقليدية التي ترى في زواج الفتاة المبكر امرا ضروريا.

(16) نصت المادة 16 في لائحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على ان “للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة من دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله، لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملاً لا إكراه فيه، والأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة”.

هل فعليا هذا ما يتم تطبيقه ام ان القوانين مجرد ديكور والتوصيات للمؤسسات الدولية مجرد تسالي صالونات؟ ففي العراق اثار قانون الاحوال الشخصية بحلته الجديدة غضباً شعبياً وقانونياً، إذ أعلنت نقابة المحامين العراقية أنها عقدت اواخرا عام 2017 لقاء موسعاً لمناقشة مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، وخرجت بنتائج ان المقترح يؤدي إلى تكريس الهوية الطائفية على حساب مبادئ المواطنة، وخسارة الحقوق المكتسبة للمرأة بموجب القانون النافذ للأحوال الشخصية، اضافة الى ان المقترح يلغي مبدأ المساواة أمام القانون الذي أقرته المادة 14 من الدستور.

 

وقاد منتدى الاعلاميات العراقيات حملته الاعلامية في يونيو لعام 2017 لغرض التوعية وتعبئة الرأي العام بصدد الضغط لسحب مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية، برغم انه يُعدّ واحدا من اهم المنجزات التشريعية في محيطنا الاقليمي، ووضع في موضع التطبيق منذ مدة تقرب من الستين عاما ولم تكن هناك ملاحظات تدعوا للتدخل او اجراء تعديلات تنسف قيمته القانونية والاجتماعية .

إذ قدمت لجنتا الاوقاف والقانونية في مجلس النواب بتاريخ 25 ايار مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959،الامر الذي يعد محاولة لتمرير قانون الاحوال الجعفرية، استناد الى المادة 41 من الدستور رغم انها من المواد الخلافية، تناول قانون التعديل المواد 2، 5، 6، 9، 24، 26، من قانون الاحوال الشخصية النافذ، بأحكام تدعو الى ترسيخ مفاهيم مذهبية وطائفية وعدم المساواة واباحة اجراء الطلاق والزواج خارج المحكمة كما انه يشرعن لزواج القاصرات. الامر الذي يتعارض مع الاتّفاقية الدولية لحقوق الطّفل، ووفقا لهذه الاتفاقية فان “الطّفل هو كلّ من لا يتجاوز عمره ثمانية عشر عاماً، ولم يبلُغ سنّ الرُّشد، وقد أكّد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان على الحقّ الكامل للرجل والمرأة بالزّواج وتأسيس أسرة، متى ما بلغا السنّ القانونّي. رغم انني انا شخصيا اكثر من مرة قلت إن سن الرشد في هذا العصر والظروف ليس قبل الخمس والعشرون” .

ويعرف الزّواج المبكر من وجهة نظر القانون في الدّول التي تُصادق على اتّفاقيات حقوق المرأة والطفل: “زواج الأطفال تحت سنّ 18 سنةً” فإنّ الفقرة الثانية من المادة 16 من اتّفاقية القضاء على جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة (سيداو) تنصّ على أنّ خطوبة الأطفال وزواجهم ليس لهما أيّ أثرٍ قانونيّ، كما يجب أن تتّخذ الدول الإجراءات التشريعيّة جميعها؛ لتحديد سنٍّ أدنى للزّواج، وتسجيله في سجلٍّ رسميّ، وخَرْقُ هذا البند يتمّ إذا كان أحد الزّوجين دون سِنّ الثامنة عشرة، ولم يكتمل نموّه الجسديّ، وبهذا يُعدّ زواجهما قانونيّاً زواجَ أطفال.

بهذا الصدد يرى الباحث الاجتماعي مجيد الطائي، إن “الظاهرة باتت مستفحلة، وهناك حالات وفاة للقاصرات بسبب الحمل أو العلاقة الزوجية أو ضرب الأزواج، وحالات فرار من منازل الزوج، وصولاً إلى الانتحار”، مضيفاً أن “المؤسسة القضائية العراقية ورجال الدين يتحملون المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع المزرى، خاصة بعد أن انتقلت حالات زواج القاصرات إلى المدن الكبيرة بعدما كانت مقتصرة على الريف”.

وبحسب قانون الأحوال الشخصية في العراق، فإن سن الفتاة للزواج ينحصر بين 17 إلى 18 سنة، ويتم الزواج بموافقة ولي الأمر المسؤول عن الفتاة وموافقة المرأة، حيث تمهل المحكمة الأطراف سبعة أيام يتم بعدها الزواج، وتكون المحكمة بمثابة ولي الفتاة في سن البلوغ إذا كانت راغبة بالزواج دون حضور ولي أمرها. إلا أن القانون بات بحكم المعطل كعشرات القوانين الأخرى عقب الغزو الأميركي للبلاد واتساع رقعة الفوضى والعنف.

شاهد أيضاً

ارتفاع التلوث البيئي في العراق.. وانتشار الكبريت ينذر بكارثة صحية

من أصل 18 محافظة في العراق، هناك 12 محافظة ذات بيئة “غير صحية” وست محافظات …

error: Content is protected !!