صوتها – بغداد
مرت عدة اشهر على انتهاء القتال في المدينة القديمة بالموصل، رغم انتشار جثث مسلحي داعش تحت انقاض الحرب حتى الان.
ويتجاهل متطوعو الدفاع المدينة خطر الذخائر غير المنفجرة، فيما تنتشر جثث المسلحين المتفسخة في كل مكان وسط محاولات رجال الشرطة الاتحادية بين الحين والاخر، طرد المسلحين والسارقين. ومع ذلك، فان معظم أحياء البلدة القديمة لاتزال صامتة لاول مرة في تاريخها الطويل. اليوم يحاول السكان المحليون كسر الصمت في البلدة من خلال تشغيل المعدات والآلات التي تحاول رفع الانقاض والبدء ببناء البيوت المهدمة.
وتقف الركائز الخرسانية المصبوبة حديثاً على النقيض من الحطام الملتوي. فيما يحاول الرجال بمكانس وعربات اليد رفع الانقاض.
انتهت معركة الموصل في تموز الماضي، التي خلفت طرقاً قليلة سالكة في المدينة القديمة، ناهيك ان انحسار الدعم الحكومي المتدني الذي القى بظلاله على السكان الذين بدأوا بإعادة اعمار المدينة.
وفي فترة ما بعد الظهر، قام السكان المحليون بتجريف الكتل الخرسانية وازالة القبضان الحديدية الملتوية، فيقول عز الدين صاحب متجر “لقد عملنا هنا لمدة 25 يومياً لاعادة بناء منطقتنا، فنحن ندفع ثمناً باهظاً من جيبنا لان الحكومة لا تساعدنا”.
وهناك سؤال كبير حول ما اذا كانت المدينة القديمة ستتم استعادتها عمرانياً او ستبقى اطلالاً على رؤوس ساكنيها؟. وبمجرد ان قلب المدينة الثقافي والتاريخي، صار حطاماً ومسرحاً للقتال في الايام الاخيرة من الحرب، فان امل اعادة اعمار المدينة يبدو معدوماً جداً.
وأدى القصف العنيف الذي شنته القوات الحكومية والضربات الجوية التي قامت بها قوات التحالف التي استهدفت مخزونات داعش لتدميرها، مخلفةً تلك الضربات مقتل حوالي 400 الف شخص في المدينة القديمة.
ويعيش معظم المدنيين في اجزاء اخرى من المدينة او مخيمات النزوح المتربة، يسألون عما اذا كانوا سيعودون الى بيوتهم او لا؟
ويقول الشيخ راكان عزيز الحياني “دُمرت المدينة القديمة بالكامل، ولا أمل على أن تعود من جديد”. ويقول مقاول للبناء في الموصل وهو عضو بلجنة نقابة العمال إن “الاضرار واسعة النطاق، ومشاكل التخطيط في المدينة كبيرة والترميم صعب تحقيقه الآن”.
وكان القتال في الأزقة الضيقة والمنازل القديمة، شديداً لدرجة تحولت تلك المدينة الى كارثة من منظور تخطيطي. فمياه المجاري التي تصب مباشرة في نهر دجلة ونقص الصرف الصحي، ينتجان فيضانات بعد هطول الامطار الغزيرة، وانابيب العنكبوت وكابلات الكهرباء التي توضع في الأزقة الضيقة، كلها بحاجة الى إصلاح واعادة تأهيل.
العائلات التي لها منازل في البلدة القديمة غالباً ما استأجرتها وعاشت في اماكن اخرى، وكثير من السكان يفتقرون الى الاوراق الثبوتية لممتلكاتهم.
ويقول الحياني “من الافضل بناء شقة سكنية حديثة، وبهذه الطريقة، يمكنك انشاء اعداد كبيرة من الشقق السكنية بمنطقة صغيرة ويكون بأسعار معقولة”. ويوافق عمدة الموصل زهير الاعرجي على أن إعادة بناء المدينة القديمة عملية مستحيلة مصحوبة بمشاكل كبيرة.
ويضيف الأعرجي “بعض المنازل صغيرة جداً، تبلغ مساحتها 50 متراً مربعاً، وشوارع ضيقة جداً لا يمكن ان يمشي بها شخصين، هذه الشوارع انتهى بها المطاف الان بالغلق.
ليلى صالح، رئيس منظمة غير حكومية محلية وهي مركز كلكامش للعلوم والآثار وحماية التراث تقول إن “المدينة القديمة هي موقع تراثي وبعد تدميره بالكامل يمكن استبدال البيوت التراثية ببيوت جديدة”.
وتعد المدينة القديمة، موطنا للعديد من المباني الشهيرة، بما فيها مسجد النوري الذي تدمرت مئذنته. ومن المهم الان ان يأخذ الموصليون الوقت الكافي للعمل على ما يمكن انقاذه، بحسب صالح.
وتضيف صالح “انا موصلية، وعالمة اثار، لذا يجب ان اهتم بكل التفاصيل الاجتماعي والجوانب الأثرية، واعتقد من الافضل ان نؤخر عملية اعادة البناء، من اجل تقديم خطة للسكان، تشمل اعادة بناء كل المجتمعات السكنية والاحياء المتضررة”.
ويقول نائب رئيس المنظمة غير الحكومية فيصل جبير إن “اعادة بناء الشارعين التجاريين الرئيسيين في نينوى، اللذان يقسمان المدينة القديمة من الشرق الى الغرب، سيسمح لسكان البلدة باعادة حياتهم”.