خالد الكطابي
تتابع المخرجه الأرجنتينية أناهي بيرنيري مسارها الإبداعي، الذي يتخذ من قضايا المرأة مادته الرئيسية، ما يجعلها من أكثر السينمائيات تخصصا في طرح المسألة النسائية، ويشكل فيلم «ألانيس» تجربة فنية أخرى تنضاف إلى سلسلة الأعمال التي أبدعتها بيرنيري بعد أربعة أفلام طويلة، هي «عام بدون حب»2005، «تجسيد» 2007، «بسببك» 2010، و»هواء طلق» 2014.
اعتبرت «لاورا هوبيرمان»، منتجة الفيلم، أن قصة تصوير الفيلم «أتت بعد إنجاز فيلم قصير قبل سنة ونصف السنة حول ظاهرة الدعارة النسائية بتعاون مع إحدى الجمعيات المهتمة بالميدان، وقد لاقى نجاحا كبيرا. حينها فكرنا في إخراج فيلم طويل بعد كتابة السيناريو وتقديمه كمشروع سينمائي ليستفيد من الدعم الإنتاجي، حيث قمنا بتصويره في ثلاثة أسابيع». كما تحدث «خابيير بان دي كوتر»، الذي شارك في كتابة السيناريو إلى جانب مخرجة الفيلم، «نزلنا إلى الميدان وقمنا بالاستماع مباشرة لمحترفات الدعارة، ومن ثم كونت فكرة عن بطلة الفيلم التي تمثل أداءها في الواقع مجموعة من النساء». وكشفت «أناهي بيرنيري» عن الترتيبات التي سبقت إخراج الفيلم «لقد تحدثنا مع مجموعة من ممتهنات البغاء في السابق أو اللاتي ما زلن في الميدان، وخلصت إلى وجود موقفين متباينين: فالأول يدعو إلى إلغاء الدعارة كمهنة، فيما تطالب مجموعة أخرى بتقنينها ووضع قوانين تحميها».
ويحكي فيلم «ألانيس» قصة امرأة شابة تمتهن الدعارة التي تشكل مصدر دخلها الوحيد لإعالة رضيعها، الذي تصارع من أجله وترفض التخلي عنه. تعيش ألانيس في منزل مأجور بدون عقد قانوني، رفقة زميلتها (جيزيل) التي تساعدها على الاعتناء بالرضيع، عندما تستقبل زبونا في المنزل أو عند قيامها بحاجاتها الخاصة في الخارج. لكن الحضور المفاجئ لمحققين متنكرين كزبائن سيؤدي إلى تأزيم الموقف، حيث تضطر إلى مغادرة المنزل بعد تدخل مؤجر الشقة الحقيقي، واقتياد جيزيل إلى السجن، ما يجعلها تطلب مساعدة إحدى قريباتها التي تعمل كل ما في وسعها لتبني الرضيع.من خلال ملصق الفيلم تظهر امرأة شابة، شبه عارية، ترتدي قميصا بدون ياقة وتجلس فوق كرسي تنظر إلى الأمام، في ما تمسك بيدها اليمنى رضيعها الذي يجلس على فخذيها ويرضع ناظرا إلى الأعلى. لا يهادن الفيلم الوضع الاجتماعي القائم، بل يحاول منذ البداية دق ناقوس الخطر، وحشد انتباه المشاهد، معلنا أنه بصدد التطرق إلى موضوع محرج من شأنه أن يخلخل كل أحكامه المسبقة، ويجعله يرى ذاته في المرآة، سواء كزبون أو تجمعه قرابة مع عارضة الخدمة الجنسية. وما يجعل الفيلم مربكا كونه يناقش الدعارة النسائية، ليس في حد ذاتها، بل يتجاوزها إلى مناقشة الوضع الأسري، ما يطرح بعض الصعوبات على الفيلم عند العرض في الأرجنتين، حيث تصرح أناهي بيرنيري «الفيلم يعرض في دور السينما بدون ملصق، لأنهم اعتبروا أنه ضد الأسرة، فإذا كانت المرأة تظهر كموضوع جنسي، فكل شيء على ما يرام، والآن، موضوع جنسي وأم، فهذا ما لا يطاق».مجمل لقطات الفيلم تحاول إظهار الحياة الحميمية لبطلته، دون أي روتوش حيث عملت الكاميرا على إظهار الجسد وتفاصيله، دون الجوء إلى تقنيات وحيل برامج المونتاج. كما تم تصوير الفيلم بكاميرا ثابثة، خاصة عندما تتعلق بمشاهد داخل المنزل حيث يتم التركيز أكثر على لقطات قريبة وقريبة متوسطة وذلك لإظهار العلاقة المتينة التي تجمع بين المرأة ورضيعها. لقد ركزت الكاميرا على تقاسيم وجه وجسد البطلة، حتى نتمكن من رؤية أحاسيسها، فكانت تتصرف بحنو مبرزة مشاعر الأمومة مع طفلها، ولكنها تظهرأيضا باردة وساخرة مع الشرطة، وعنيفة مع زميلاتها في الشارع، وكذلك مع أحد زبائنها، كما هو الحال في أحد أكثر المشاهد الرائعة في الفيلم، حيث تتكرر بعض الكلمات عدة مرات التي تختلط فيها مشاعر الأسى بالسخرية والاستهزاء والألم النفسي والجسدي، ما ولد توترا كبيرا. كما يتم توظيف لقطات متوسطة وعامة عندما تنقلنا المخرجة إلى الفضاء الخارجي المفتوح، حينما يتم تقديم ساحة ميسريري، التي تتميز بتعدد الأعراق وبطوابير المومسات، لرصد حياة الليل والعنف الممارس فيها.أثنت مخرجة الفيلم على أداء بطلته «صوفيا غالا» قائلة .. «لقد قامت الممثلة صوفيا غالا، التي جسدت دور ألانيس، بدور رائع في الفيلم رفقة ابنها الحقيقي، كان عند تصوير الفيلم رضيعا، وبدا متجاوبا بشكل كبير مع أمه». كما ترى غالا التي تم تتويجها كأحسن ممثلة في مهرجان «سان سيباستيان السينمائي الدولي» في دورته الـ 65 أن «هناك نساء يخترن الدعارة كحرفة، لكنهن محرومات من عدة حقوق كالتأمين الاجتماعي، ومطاردات من طرف الأمن، كما أنهن مهددات بفصلهن عن الأبناء، ويتعرضن للعنف والتحقير من طرف الجميع». تؤكد ذلك “بيرنيري”.. «80٪ من النساء اللاتي يمارسن البغاء هن أمهات، وعادة ما يقمن بإخفاء أطفالهن بسبب الوصمة الاجتماعية التي يولدها ذلك، لأن أسوأ إهانة يمكن أن تقال لأي شخص هي أنه «ابن عاهرة».لم يفت أناهي بيرنيري، التي تم تتويج فيلمها بالقوقعة الفضية لأحسن إخراج في مهرجان «سان سيباستيان السينمائي الدولي» في دورته الأخيرة، أن تلفت الانتباه قائلة: «هناك نساء أجبرن على ممارسة الدعارة وأخريات اخترنها عن طواعية وفي الحالتين فإن ذلك يرجع إلى عدم وجود بدائل حقيقية». كما أكدت الفائزة بجائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين عن فيلمها «بسببك» 2010، «مبدئيا ينبغي لأي امرأة ألا تمارس البغاء تحت أي ذريعة». وأردفت السينمائية الأرجنتينية، التي حاز فيلمها «عام بدون حب» جائزة الدمية الخاصة بالمثلية الجنسية ضمن مهرجان برلين السينمائي الدولي 2005، في بوح صريح «إن المجتمع الأرجنتيني منافق جدا، يريد إخفاء البغاء، خاصة بغاء الشارع لأن ما يظهره هو الفقر». يعد «ألانيس» كفيلم روائي/وثائقي من الأعمال القليلة جدا في تاريخ السينما التي ناقشت البغاء بصفته ظاهرة اجتماعية واقتصادية ونفسية، ففي الوقت الذي قدمت فيه أفلام الخلاعة الجنس كعالم للذة يخلو من المشاكل والالتزام الأسري، فإن الفيلم الأرجنتيني يتطرق إلى المضاعفات التي لا تنتهي، والتي تؤثر على المجتمع بصفة عامة والذي تعد المرأة إحدى ركائزه الأساسية.
شاهد أيضاً
ناسا تخصص 3 مليون دولار لمن يحل معضلة “القمامة على القمر”
تُقدم وكالة ناسا الأميركية جوائز نقدية بقيمة 3 ملايين دولار لمن يُساعد في حل مُشكلة …