صوتها – متابعات
رغم أنّهم يحملون الجنسيّة العراقيّة، ويجب أن يتمتّعوا بحقوق المواطنة كافّة كالعراقيّين الآخرين، إلاّ أنّ الغجر الذين يسكنون قرية الزهور في محافظة الديوانيّة – جنوبيّ العراق، لا يتلقّون التعليم منذ 14 عاماً، ولا يحصلون على الصحّة المجانيّة، ولا حتّى فرص الوظائف الحكوميّة، لكنّهم هذه المرّة تمكّنوا بمساعدة ناشطين في مجال حقوق الإنسان من تأسيس مدرسة لأبنائهم، وإن كانت ليست في المستوى المطلوب، إلاّ أنّها ستوفّر التعليم لـ60 طفلاً تقريباً لم يدخلوا لا هم ولا الذين يكبرونهم بـ10 سنوات أيّ مدرسة منذ ولادتهم.
ينتمي الغجر الى العائلة الهندواوروبية وهم منتشرون في مناطق عدة من أوروبا الشرقية وخاصة رومانيا مضافا الى العراق وبعض البلاد الأخرى من الشرق الاوسط.
افتتحت مدرسة النخيل الابتدائيّة في محافظة الديوانيّة في 16 كانون الأوّل من العام 2017 ضمن مشاريع منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة “اليونيسف” من أجل زجّ الأطفال الغجر في مقاعد التعليم بعد سنوات من ابتعادهم عنها، نتيجة ظروف أمنيّة واجتماعيّة تتعلّق بـ”النبذ” المجتمعيّ لهذه الفئة.
محمّد علي، الذي يبلغ من العمر 7 سنوات ويسكن في قرية الغجر، قال: “سأتمكّن من الذهاب إلى المدرسة وتعلّم الحروف والقراءة والكتابة مثل الأطفال الذين أشاهدهم في التلفاز، وسأكون قادراً على قراءة الكلمات الموجودة على المحال. أنا أتهجّأ الحروف الآن، وفرح بذلك”.
ولم يتمكّن الأطفال الغجر في قرية الزهور منذ العام 2004 من الحصول على التعليم في المدارس، فبعد عمليّة الهجوم على مدرستهم الطينيّة آنذاك، حاولوا الانضمام إلى المدارس الحكوميّة الأخرى، لكنّهم لم يستمرّوا بسبب المضايقات الاجتماعيّة التي تعرّضوا لها.وقالت منار الزبيدي، وهي عضو فريق “أنا إنسان” الذي بدأ بحملة إعادة بناء مدرسة للأطفال الغجر: “يعيش في القرية 100 طفل تتراوح أعمارهم بين 1 و17 عاماً، قُبل منهم 30 تلميذاً، وسيزجّ 30 آخرون لاحقاً”.
وأضافت: “هناك أعمار لا يسمح لها بالدراسة، وعدد هؤلاء من الذكور والإناث بلغ 25 شخصاً، ولكن أنشئ لهم مركز لمحو الأميّة بموافقة مديريّة التربية في الديوانيّة، ويديره معلّمون وأساتذة متطوّعون”.
المدرسة التي أعادت الحياة إلى القرية الغجريّة انطلقت من حملة على مواقع التواصل الاجتماعيّ قامت بها مجموعة من الناشطين في مجال حقوق الإنسان تحت شعار “الغجر بشر”، لكنّ هذه المدرسة لا تشبه المدارس الأخرى الموجودة في العراق، فهي صُنعت من الكرفانات الموقّتة، والتي قد لا تصلح للتعليم واحتواء الأطفال الذين انتظروها طويلاً بسبب عدم قدرتها على مقاومة الحرارة والأتربة في تلك المنطقة، ولا حتّى على تحمّل التلاميذ لسنوات طويلة.
وفي هذا السياق، قال تحسين الزركاني، وهو مُدافع عن حقوق الإنسان ونظّم حملة لتعليم الأطفال في قرية الغجر: “إنّ الاحتفال بشمول قرية الزهور في مدينة الديوانيّة مدرسة، أمر مبالغ فيه، فالتعليم خدمة كفلها الدستور العراقيّ، وعلى الدولة العراقيّة القيام بواجبها وإعطاء العراقيّين حقوقهم”.
وانتقد عدم بناء مدرسة، بل كرفانات، معتبراً المدرسة في وضعها الحاليّ “حلاًّ ترقيعيّاً”، وقال: “كان الأجدر بالإدارة المحليّة ووزارة التربية إدراج مشروع بناء مدرسة نظاميّة إسوة بالقرى والمناطق الأخرى، لضمان بقاء التلاميذ فيها وعدم التسرّب منها”.
وقبل وضع الكرفانات وبدء عمل المدرسة بشكل رسميّ، بادرت المجموعة التي روّجت لحملة “الغجر بشر” بداية عام 2017 إلى نصب خيام للأطفال في القرية، بالتعاون مع “اليونيسيف”، ووزّعت بينهم بعض المستلزمات الدراسيّة، إضافة إلى الاستعانة بمعلّمين متطوّعين لتقديم الدروس التعليميّة إليهم.
وأشار محمّد الغجريّ، بحسب ما فضّل تسميته، وهو يبلغ من العمر 23 عاماً، إلى أنّه “يحسد الأطفال الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة، فهو لا يقرأ ولا يكتب لأنّه لم يتمكّن من الدراسة عندما كان طفلاً”، وقال: “أتمنّى أن نأخذ كلّ حقوقنا كمواطنين عراقيّين، فلنا حقّ في الصحّة والتعليم والعمل، لكنّ هذه الحقوق شبه ممنوعة علينا، ونحن لا نجد ما نأكله، وأطفالنا يتسوّلون في الشوارع”.