صوتها – بغداد
بدلا من أن يتم زفافه الى عروسه زُف الشاب أحمد من مدينة الفلوجة الى قبره بعدما أصيب برصاصة طائشة قتلته على الفور أطلقها أحد الأصدقاء في يوم الزفاف فرحا بهذه المناسبة، إذ إنَّ طقوس الاحتفال بالمناسبات السعيدة او الحزينة في العراق لا تكتمل من دون إطلاق الرصاص العشوائي في الهواء.
حادثة أحمد لا تعدو سوى قصة من مئات القصص التي مرَّت على العراقيين سنوياً ويتداولون صوره ومقاطع فيديو خاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي، وهكذا أصبحت الظاهرة عرفا مجتمعيا أقوى من القوانين والإجراءات الأمنية الصارمة، ولكن تصاعد نسبة الإصابات بين السكان مؤخراً أجبر الحكومة على إعلان حملة جديدة لمكافحة الظاهرة.
رئيس الوزراء حيدر العبادي أعلن في بيان رسمي “باتخاذ إجراءات رادعة وعاجلة لمنع ظاهرة إطلاق العيارات النارية في المناسبات ومحاسبة المسؤولين عنها”.
حفلات الزواج ومراسيم تشييع الموتى وفوز المنتخب الوطني بكرة القدم هي أكثر المناسبات التي تشهد إطلاق الرصاص، الأسبوع الماضي أعلنت وزارة الصحة مقتل شخص وإصابة (19) آخرين بمناسبة فوز المنتخب العراقي في بطولة الخليج.
تعود الظاهرة في الحقيقة إلى تقاليد عشائرية نشأت في عشرينيات القرن الماضي، وتحديدا خلال “ثورة العشرين” بعد تحالف عشائر في وسط وجنوب البلاد ضد الاحتلال البريطاني آنذاك، وبدأت العشائر للمرة الأولى تحصل على الأسلحة الخفيفة من البنادق والمسدسات عبر مهاجمة ثكنات الجنود البريطانيين وشرائها من الدول المجاورة أشهرها بندقية “البرنو”.
في تلك الثورة كانت كفة الجيش البريطاني هي الراجحة لامتلاكهم المدافع الثقيلة بينما كانت البنادق هي سلاح العشائر وكانت أعدادها محدودة ولا يمنح سوى لبضع مقاتلين ضمن القوة العشائرية التي تهاجم البريطانيين، كما يقول الشيخ حيدر الرميثي أحد شيوخ عشائر محافظة ميسان.الرميثي هو أحد أحفاد مقاتلي العشائر آنذاك، يقول: “ما زلنا نتناقل قصص تلك الثورة وشعارها الأزلي “الطوب احسن لو مكواري”، والطوب في اللهجة الشعبية هو المدفع، و”المكوار” هو السلاح الأكثر شعبية لدى العراقيين في تلك الأيام ويتكون من عصا غليظة تنتهي بكرة صلبة من القار وبإمكان ضربة واحدة أن تشج بها رأس الخصم وتقتله ويسمى سلاح الشجعان لكونه يختلف عن الأسلحة النارية التي تقتل عن مسافة بعيدة.
كانت معظم أسلحة القوة العشائرية المهاجمة “المكوار” بينما تمنح بنادق “البرنو” الى بعضهم بسبب شحها وصعوبة الحصول على ذخيرتها، ورغم حاجة العشائر الى البنادق والرصاص آنذاك إلا أنهم لم يبخلوا بإطلاق الرصاص في الأفراح والأحزان، ومنذ ذلك الوقت نشأت هذه الظاهرة الى جانب “العراضة”، كما يقول الرميثي.
ويعترف الرميثي أن ظاهرة اطلاق الرصاص العشوائي في الافراح والاحزان ليست حضارية، ولكنه يؤكد صعوبة منعها، ويقول: “بصراحة هناك الكثير من ابناء العشائر يعتبرون عدم اطلاق الرصاص في مناسباتهم اهانة”، ولكن الرميثي يرفض بشدة انتقال هذه الظاهرة الى المدن وخصوصا بغداد ويعتبرها إرثا عشائريا مرتبط بالريف العراقي جنوب البلاد.
ومنذ عقود تتجنب السلطات الاصطدام مع العشائر لما تملكه من نفوذ واسع، بل أن الحكومات المتعاقبة كانت تغازل زعماء القبائل عبر منحهم أسلحة، وغالبا ما تغض القوات الأمنية النظر عن الموروث العشائري في القرى والارياف، ولكن انتقال ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي الى بغداد يثير قلق الحكومة والسكان على حد سواء، وتبدو محاولة الحكومة لمنعها غير مجدية.النقيب في شرطة نجدة بغداد سامر هادي يقول: “السلاح منتشر بين السكان على نحو كبير ولا يخلو منزل من قطعة سلاح، أوقات الاحتفالات يحدث إطلاق رصاص كثيف لا نعرف مصدره، وعندما نلقي القبض على شخص متلبس بذلك يحاول استخدام منصبه او منصب احد أفراد عائلته للإفلات من الاعتقال”.
ويضيف النقيب هادي أن “عناصر في الشرطة والجيش متورطون بذلك ويستخدمون أسلحة الحكومة مثل مسدسات كلوك وبندقية كلاشنكوف رغم العقوبات القانونية الصارمة”.