بعد الخراب والتهجير.. الزيتون يبدد مآسي الإرهاب وينير مستقبل الأيزيديين

بالكثير من المآسي والقليل من الإمكانيات والدعم، يعتزم الأيزيدوين العراقيون إحياء مزارعهم وحرفهم لتكون بارقة أمل يعينهم على التمسك بأراضيهم التي لم يبق منها الإرهاب سوى خرائب وأشجار متفحمة.

على اطلال اشجار الزيتون جلس زيد سلمان ذو العقد الخامس من عمره بعد عودته من الغربة الاجبارية متاملا حجم الخراب الذي خلفه “داعش” بقريته وبمعصرة الزيتون الخاصة به التي ورثها عن ابيه وهو يردد مع نفسه بصوت منخفض “ساعيد المصنع وازرع اشجار الزيتون وستبدا الحياة من جديد لا احد سمينعني”.

ذكريات مؤلمة هكذا وصفها سلمان بقوله انه “بعد فرارهم من داعش بصحبة عائلته الى كردستان لم يفارقه حلم العودة الى قريته منتظرا القضاء على هذا التنظيم الارهابي الذي عاث بالارض فسادا”.

ويتابع انه “رغم الحزن الذي اصابه جراء ما راه من تدمير لقريته ومصنعه والاشجار الزيتون التي قطعت او احرقت فانه ما زال الامل لديه بان يعيد بناء القرية مع افراد جماعته ويعيد بناء المصنع ويزرع اشجار الزيون من جديد مع افراد اسرته”.

ويشير سلمان الى ان “قدسية شجرة الزيتون لدى الايزيدية ياتي من ذلك الغصن الذي يرمز للتسامح والسلام”، لافتا الى ان “اغصان الزيتون تحمل خلال المناسبات الدينية لانها ترمز للسلام والمحبة”.

معبد لاش: الزيتون لإشعال قناديل المعبد

ويقول مسؤول المركز الثقافي في معبد لالش لقمان سليمان، إن “الزيتون مرتبط ارتباطا كبيرا بطقوسنا الدينية لانه يرمز للسلام فانه ايضا يستخدم زيت الزيتون لإشعال قناديل معبد لالش”.

ويضيف سليمان انه “تجرى سنويا مراسم عصر الزيتون في موسم الربيع وتخزن في جرار وبراميل للموسم المقبل بهدف توفير زيت الزيتون لإشعال قناديل معبد لالش”، مبينا أن “المئات من أتباع الديانة الايزيدية يشاركون في مراسم عصر الزيتون وإعدادها وسط احتفالات وطقوس دينية”.

ويشير سليمان الى أنه “يتم يوميا اشعال 365 قنديلا في معبد لالش، فضلا عن اشعالها خلال المراسم الدينية والاعياد”، لافتا الى أن “تقليد عصر الزيتون في معبد لالش موغلة في القدم كما أنها مناسبة ترسخ روح التعاون والمحبة”.

باحث: الزيتون له قدسية ومردود اقتصادي

الباحث المختص بالشان الايزيدي خلدون سالم النيساني اكد في حديث ان “الزيتون له قدسية والشجرة هي مباركة في الديانة الايزيدية لان المعابد الايزيدية تسخدم الزيت لاشعال القناديل في المعابد”.

ويضيف النيساني ان “شجرة الزيتون بالاضافة لكونها مقدسة لدى الايزيدية فان لها مردود اقتصادي لهم”، مبينا ان “منطقة بعشيقة الى تزرع هذه الشجرة فيها بشكل كبير تزود العراق من شماله الى جنوبه بمئات الاطنان من هذا المنتج ومن زيت الزيتون بجانب الى تشغيل الاف من العمال خلال موسم جني الزيتون الذي يصادف في شهر كانون الاول”.

ويشير النيساني الى ان “داعش قام بحرق وقطع 75 الف شجرة زيتون في منطقة بعشيقة وحدها”، موضحا ان “هناك عمل من قبل الاهالي ومنظمات اخرى دولية لاعادة احياء زراعة هذه الشجرة المقدسة من جديد”.

مشروع بساتين الزيتون

ويقول الوجيه رامان خضر من اهالي منطقة بعشيقة انه “الاهالي قاموا بوضع حجر الاساس لمشروع بساتين الزيتون في منطقة بعشيقة مع بعض المنظمات والجهات الداعمة”، مبينا ان “المشروع يهدف لزراعة الالاف من اشجار الزيتون التي تم قطعها واحراقها من قبل داعش في هذه المنطقة”.

ويضيف خضر ان “اشجار الزيتون تعتبر هوية الايزيديين في المنطقة وتشير الى المحبة والسلام، كما ان المشروع سيكون خطوة لتشجيع اهلنا في العودة للديار والعيش بامان وسلام جنبا الى جنب مع هذه الاشجار”.

باحث: البشر يقدس الاشجار

ويقول الباحث والخبير في شؤون التنوع الديني في العراق سعد سلوم ان “للاشجار اهمية في تقاليد دينية مختلفة وارتباط انواع منها على الخصوص بمعتقدات دينية مختلفة ويندر ان نجد دينا لا يضفي القداسة على شجرة او يعد استمرارا لتقاليد انسانية عريقة في عبادة الاشجار”.

ويضيف سلوم ان “البشر يقدس الاشجار لاسباب مختلفة فقد تكون الشجرة محلا لاقامة روح قديس او شخصية دينية مؤثرة او ان مجرد جوارها من ضريح او قبر ذي قدسية تنال معه قدرا من التوقير والقداسة”.

ويشير سلوم الى ان “شجرة التين خصوصية واهمية رمزية في الديانة الايزيدية اكثر من الاشجار اخرى، حيث على مسافة من مرقد الشيخ مسافر والد الشيخ عدي مجدد الديانة الايزيدية في بلدة قنافار في بعلبك تنتصب شجرة سنديان عملاقة قدرت عمرها بعدة قرون في حين ذكر سكان محليون ان عمرها يصل الى الف عام، تحظى السنديانة بتقديس من اهالي البلدة لاسباب نجهلها لكن قد يكون قربها من مرقد الشيخ مسافر هو السبب الاهم”.

ويتابع “هناك شجرة تين نمت داخل القبر ووصلت اغصانها الى حد فكك الحجارة التي بني منها السقف وجدار مدخل قبر الشيخ”، موضحا ان “السنديانة المقدسة خارج قبر الشيخ والتينة التي تنمو داخله تضعنا على اعتاب تامل في حياة تتواصل من اعماق الارض لتعلن عن قوة روحية تتواصل مع البشر على سطحها”.

يذكر أن الإيزيديين وبالكردية “ئێزیدی”، هم مجموعة عرقية دينية تتمركز في العراق وسوريت، ويعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار، وتعيش مجموعات أصغر في تركيا، وألمانيا وجورجيا وأرمينيا، وينتمون عرقياً إلى أصلٍ كرديٍ ذي جذور هندوأوروبية مع أنهم متأثرون بمحيطهم الفسيفسائي المتكون من ثقافات عربية وسريانية، فأزياؤهم الرجالية قريبة من الزي العربي أما أزياؤهم النسائية فسريانية.

وتشير الدراسات الى أن ديانتهم انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، والشخصيات الأساسية في الديانة الإيزيدية هي عدي بن مسافر وطاووس ملك.

وتعرض الإيزيديون عبر التاريخ إلى 72 حملة إبادةٍ شُنت ضدهم لأسبابٍ مختلفة، حيث تسببت هذه الحروب والمذابح بآثار ترسخت في النسيج الاجتماعي والعقلية الإيزيدية فصار الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمةً أساسيةً لهم، لكن كل هذا لم يمنع المثقفين الإيزيديين من إنشاء مراكز ثقافيةٍ واجتماعيةٍ لتعريف العالم بديانتهم وجعل الإيزيديين ينفتحون أكثر على العالم الخارجي، كمت تعرض الايزيديون لهجمات متكررة من تنظيم داعش تمثلت بتفجيراتٍ وعمليات اغتيالٍ في في العراق، ما ادى الى مقتل المئات منهم وسبي أعداد كبيرة من نسائهم وأطفالهم.

شاهد أيضاً

ارتفاع التلوث البيئي في العراق.. وانتشار الكبريت ينذر بكارثة صحية

من أصل 18 محافظة في العراق، هناك 12 محافظة ذات بيئة “غير صحية” وست محافظات …

error: Content is protected !!