قصة قصيرة: عاقر/ضرغام علاوي

صوتها/ثقافة


  انسحبت من الجلسة بهدوء, وهي تحاول أن تتفادى انهيار دموعها التي أغرقت  أجفانها, والألم الذي اعتصر روحها, بالكاد قدماها يحملانها من هول ما وقع عليها من إحراج.فقد أخفت عنها أحدى قريباتها وأعز صديقاتها حملها السابع خوفا من عين امرأة (عاقر ) كي لا تحسدها, فقد مرت تسع سنوات ولم يستطع ذلك الرحم أن ينجح بالأثمار بجنين.أغلقت باب غرفتها واستنجدت بالباب أن يحمل جسدها المتعب من حمل كل مفردات العار التي وصفوها به, إلا أن الباب كان أقل غيرة من أن ينتخي لعاقر

اتكأت على تلك الباب وقد رمت كل ما عليها من ثقل راحت تفرغ كل ما حبست من دمع خلال تلك الجلسة التي كانت هي الوحيدة بينهن التي لم تتحدث عن مرض أبنها أو تتباهى بدرجاته العالية في المدرسة, حيث أن الدمع هو فيض من المشاعر زادت على احتمال القلب فتحولت لماء يسمى بدوره الدمع.


صار يبكي معها كل أثاث غرفتها فهو الشاهد على معاناتها اليومية وعلى آلامها التي ترافق يومها, فقد أصبح الطفل هاجسها الأوحد.كانت تكلم مرآتها عن أحلامها بطفل صغير يملأ حضنها. وتتشارك مع سريرها شوقهما لسرير صغير يوضع بجانب سريرها الكبير يحتوي جسد رضيع.كان خبر حمل أحدى نساء العائلة خبر سيئ عليها, لا حسدا منها ولكن تجنبا لاستهزاء باقي النسوة من تصحر بطنها واخضرار بطونهن, تخيلوا  وصل الأمر أن وصفتها أحدى العجائز أنها ( أرض بور ).كانت معاناتها تكبر مع شغف زوجها بالأطفال وهي تراقبه يلاعب أطفال العائلة أو الجيران, لكن الخوف بدا الخوف يصاحب الألم الروحي لأن الكل ينصحون  ذلك الزوج الطيب بالزواج من امرأة ثانية.

شعرت أنها ستخسر كل شيء وبدون ذنب منها أو تقصير , فقد وصل بأحد أخوته بالإلحاح عليه بالزواج من أخرى, لكن حبه لزوجته الصالحة وقف عائقا أمام كل تلك المحاولات.بعد كل تلك المعاناة  ظهر فجر يوم سعيد ليعلن للجميع أن تلك الطيبة استجاب لها ربها وفتحت السماء أبواب رحمتها لكثرة دعائها.هي (حامل) … نعم (حامل) . بعد عشر سنوات لامس طفل أخيرا صدرها, وأخذ يرضع من ثديها, فيمنحها ذلك المخلوق سعادة ليس بعدها سعادة ولا توازيها سعادة إلا دخول الجنة.

لم يكن ذلك الطفل طفلا عاديا, بل كان المنقذ لها من كل آلامِها, وصفعة بوجه كل من صفعها عشر سنوات دون أن يرحم قلب أنثى رقيقة لا تعرف الرد عليهم سوى البكاء وحدها في غرفتها, كان الأثاث وحده  من يعرف مقدار فرحها وسعادتها لأنه الوحيد الذي كانت تتعرى أمامه بحزنها وتخلع رداء التصبر والكبرياء الذي ترتديه أمام الآخرين.

تلك المرأة سيدتي وتاج راسي (أمي) رحمها الله ذلك الزوج المحب ..هو سيدي وتاج راسي أبي رحمه الله .

أما ذلك الطفل المحظوظ…أنا

ضرغام علاوي

 

شاهد أيضاً

بإشراف الدكتور نوفل أبو رغيف دار الكتب والوثائق تحتفي بمئوية محمد شمدين تعزيزًا لثقافة التعايش السلمي في العراق

برعاية وزير الثقافة والسياحة والآثار وباشراف الوكيل الأقدم للوزارة د. نوفل أبورغيف، احتفت دار الكتب …

error: Content is protected !!