صوتها/ثقافة
قصة قصيرة/حسين خالد
جالسٌ أمامها روحا وقلبا وعقلاً وجسداً, كيانه وكينونته وكل شيءٍ فيه يتأملها, ويشفق عليها,وكانَّ أحشائه تتقطع لرؤيتها بهذه الحالة, يريد أن يحتويها ويبعد عنها آلامها, يتأمل نظراتها الأخيرة ويفكر في ما سيفعله بعدها..
نظرات فارغة ميتة خالية من الحياة, نظرات توحي له أن التعب والإرهاق والأسى والحزن قد هيمن عليها بأكملها, لم يترك مكاناً للحب إطلاقاً, وكأن روحها تكاد أن تفارق جسدها وتنتظر أمر الخالق لتذهب في جواره وتستريح.
حلَّ الخريف على ربيع روحها المتألمة, أعاد لها سوداويتها وظلامها وكل ما عايشته سابقا من حرمان وفقدان وانتهاك واغتصاب, لحظات وثواني ودقائق وساعات وأيام وسنين لو إنها مرت على جبل لأسقطته حزنا وجعلته ركاماً..
نظر إليها بعمق, محاولاً أن يلتمس روحها التائهة في هذا الجسد المتعب, رأى بصيصاً بسيطاً من الروح, ولكن.. فات الأوان فما لهذه الروح أن تعود لربيعها المليء بأزهار القرنفل والياسمين.
كان يتمنى أن تتحاور أرواحهم, أن تتسامر أن تفعل ما لا تستطيع الأجساد فعله, في قلبه غصة لا يفهمها أحد, إنفجار من الكلمات التي ليس لها أي صوت, جمل لا معنى لها إذا قيل بحق غيرها..
حاول إخبارها بصوته المبحوح من شدة حزنه لفقدان روحها, لكنه لم يستطع,فلم لكن له صوت في وقتها, ما كان يملك شيئا سوى عينيه, فأطلق العنان لكلماته عبر عينيه المثقلتين بالحزن..
– يا رفيقي.. يا ملاك الحب, يا منبع الأمل والسعادة, ليتني أستطيع أن ادخل فيكِ لتعرفي مدى قلقي عليكِ, وخوفي الذي لم تعطهِ أي اهتمام, ليتني أقدر أن أهيم بكِ, ليت الحواجز والأحزان والأسى تنجلي وتذهب في مهب الريح ولا يبقى سوى قلبينِ ملؤهما الهوى والحياة, ليتني لا أفارق وجهك الشاحب لأداعبه وأقبله واقلبه لزهرةِ ياسمينٍ تنبض بالحياة..
إن قلتِ إنكِ بلا روح.. أنا أرى روحك تحوم حولي ولا تفارقني أبداً, أراها وهي تطلب مني أن اسعدها وأفرحها لكن قلبك الأسود حال بيننا.
إن قلتِ إنك تريدين الفراق, فأنا على يقينٍ بأنك تكذبين, أتعرفين كيف؟ أتذكرين عندما أخبرتكِ أنني درستكِ جيدا وعرفت كل حركاتكِ وإشاراتكِ وتقلباتكِ وكذبكِ وصدقكِ, عندما تكذبين تديرين وجهك للناحية الأخرى وقد فعلتها حينما أخبرتني بذلك..
كانت عيناهُ أجدر بهذا الكلام من صوته الذي لا يعرف نبرته, كتب لها وصية قبل أن يذهب لأنه كان يرى بعينيها بريئاً يتوجه لمنصة الإعدام من دون ذنب, كان يعرف أنها تقتل نفسها بهذا الحكم الذي أنزلته على روحها, حاول كثيراً مساعدتها على النزول من المشنقة والتنعم بالجمال الذي أنزله علينا الله لكنها رفضت رفضاً تاماً.
نظرَ بعينيها نظرةً أخيرة, روحها ترجوه أن يبقى بجانبها, هو يصبو لحياة جديدة, ابتسم ابتسامة الوداع وقبل أن تنتهي نظرته لمح الحزن الذي كبر لأضعافٍ وأضعاف, كانت كل جوارحها ترجوه أن يبقى ولكن الحياة علمتها كيف تبقى صامدة بوجه مشاعرها..
قال آخر كلماته بعينيه قبل أن يرحل..
– فلتعلم يا رفيقي إن هذا ليس لقائنا الأخير فقد توحدت أرواحنا, حتى وإن أنكرت ذلك فأن الذي في سرك وقلبك يوافقني ويريدني بجانبه مدى الحياة..
الوداع يا رفيقي..
الوداع..