
د. مهند الخزرجي
منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، دخل العراق في مسار سياسي جديد هدفه إقامة نظام ديمقراطي تعددي. وبينما أُجريت عدة انتخابات وتم إقرار دستور دائم، فإن هذا التحول ظل يواجه تحديات بنيوية وسياسية عميقة. فالسياق السياسي بعد 2003 ، كانت أولى خطواته هي بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي عام 2003، وجرى لاحقًا إقرار دستور دائم عام 2005 ينص على اعتماد نظام جمهوري برلماني اتحادي.
ترتب عن ذلك أن يشهد العراق ست دورات انتخابية حتى عام 2021، آخرها كانت بنظام انتخابي جديد يهدف إلى تقليص هيمنة الأحزاب الكبيرة. إلا أن تداول السلطة ظل ظاهريًا، بسبب افتقار الانتخابات إلى الشفافية والنزاهة الكاملة ، بسبب التدخلات الحزبية والسلاح المنفلت مما ادى أن تظل الديمقراطية العراقية تعاني من الهشاشة، وتخضع لتجاذبات قوى داخلية وخارجية تُعيق استقرارها. وهذا ما اكده ايضا تقرير منظمة فريدوم هاوس لعام 2023 .
التحديات البنيوية للتحول الديمقراطي
إذا ما اردنا تصنيف التحديات البنيوية فأكيد سيكون أولى تلك التحديات الطائفية السياسية والمحاصصة التي أدى اعتمادها إلى توزيع المناصب العليا وفق الانتماء المذهبي والعرقي بدلًا من الكفاءة. وهذا ما وثقه تقرير المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) عام 2022، والذي أشار إلى أن “العراق يعاني من تسييس الهويات، ما يقوض بناء مؤسسات دولة مدنية”. كذلك تحدي ضعف مؤسسات الدولة فقد أظهرت مؤشرات الحوكمة العالمية للبنك الدولي (Worldwide Governance Indicators) لعام 2023 أن العراق يُسجل مستويات متدنية في مؤشرات سيادة القانون، ومكافحة الفساد، وحسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2024، احتل العراق المرتبة 140 من أصل 180 دولة، اما الإرهاب والعنف السياسي خاصة بعد
احتلال تنظيم “داعش” لبعض مدن العراق عام 2014 فقد ادى إلى أزمة وجودية للدولة، لولا عمليات التحرير و الانتصار العسكري في 2017، إلا أنه لا يمكن إغفال آثار الحرب التي لا تزال تلقي بظلالها، مما يتطلب دور أوسع في عملية الإصلاح على صعيد نفسي ومجتمعي ومؤسساتي.
الحراك الشعبي كأداة ضغط للإصلاح
في أكتوبر 2019، خرجت احتجاجات شعبية غير مسبوقة، مطالبة بإنهاء نظام المحاصصة، ومحاسبة الفاسدين، وتحقيق عدالة اجتماعية. وقد قُتل خلال هذه الاحتجاجات ما يقارب 500 متظاهر، وفقًا لتقرير بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) في كانون الثاني 2020.
لقد أسفرت هذه الضغوط عن استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مصطفى الكاظمي، ثم لاحقًا حكومة محمد شياع السوداني. كما دفعت الاحتجاجات إلى تعديل قانون الانتخابات، واعتماد الدوائر المتعددة.
وعلى الرغم من هذه الإصلاحات الشكلية، لكن لم يتمكن النظام من إجراء تغييرات جذرية بسبب سياسة الحكومات المتعاقبة وتداعيات التغيير ضمن بيئة متوترة وغير مستقرة على مراحل متعددة ، ما دفع شرائح واسعة إلى مقاطعة انتخابات 2021، حيث بلغت نسبة المشاركة الرسمية حوالي 41% فقط، وهي الأدنى منذ 2005 .
لكن توجد مؤشرات على إمكانية بناء ديمقراطية مستقرة على المدى البعيد يمكن إجمالها على النحو التالي:
• الوعي الشعبي المتزايد، خاصة بين فئة الشباب، حيث تُشير الاستطلاعات التي اعدتها بعض مراكز الأبحاث إلى تراجع الانتماءات الطائفية لصالح الهوية الوطنية.
• قوة المجتمع المدني، حيث نشأت عشرات المبادرات المدنية والمنظمات الحقوقية التي تراقب الأداء الحكومي.
• وجود دستور دائم وقابل للتعديل من خلال الأطر القانونية والمؤسساتية، رغم الصعوبات السياسية المحيطة به.
- مبادرات تفكيك بنية الفساد، وتحجيم نفوذ السلاح غير الرسمي، وخلق بيئة انتخابية نزيهة، وضمان استقلال القضاء.
- حملات الإعمار التي يشهدها البلد ومحاولات رسم سياسات بنيوية تعتمد على الاقتصاد وتحفيز الاستثمار .