ترامب يصرّح: الرواد يقعون في الحب… والعراق يقع تحت الضغوط القصوى

د. نبراس المعموري
منذ يونيو 2024، تواجه مجموعة من رواد الفضاء أزمة معقدة، إذ لم يتمكنوا من العودة إلى الأرض بسبب مشكلات تقنية في المركبة الفضائية التي تقلهم. ورغم الجهود المستمرة التي تبذلها وكالة ناسا وشركاؤها لحل الأزمة، إلا أن عملية إعادتهم ما زالت تواجه تحديات كبيرة تتعلق بضمان الهبوط الآمن.

في ظل هذه الظروف، يتابع العالم بترقّب مصير هؤلاء الرواد، الذين يعيشون عزلة قسرية في الفضاء، وسط تحديات تتعلق بالإمدادات والضغط النفسي الناتج عن الانتظار الطويل في بيئة غير طبيعية.

ما دفعني للحديث عن هذه الأزمة هو تصريح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، غير المتوقع، الذي أثار جدلًا واسعًا حول هذه القضية. فعندما سُئل عن مصير رواد الفضاء العالقين، أجاب بطريقة غير تقليدية قائلًا: “قد يقعون في الحب”، وهو تعليق أثار موجة من التفاعل في الأوساط الإعلامية والعلمية.

أسلوب ترامب بين الطرافة والاستفزاز

لطالما عُرف ترامب بأسلوبه المباشر وغير التقليدي في تناول القضايا المختلفة، وغالبًا ما كانت تصريحاته تثير الجدل، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية. ومع ذلك، فإن تعليقاته حول رواد الفضاء جاءت بطريقة غير متوقعة، مما أثار استغراب الكثيرين، خصوصًا أن القضية تتعلق بحياة أشخاص يواجهون خطرًا حقيقيًا في بيئة قاسية، تحتاج إلى حلول علمية وتقنية عاجلة، وليس مجرد تعليقات ساخرة.

الجدل حول التصريح انتقل سريعًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من اعتبروه “مزحة غير مناسبة”، وبين من رأوا فيه محاولة لتخفيف التوتر بأسلوب غير تقليدي. أما الأوساط العلمية، فقد رفضت التصريح بشكل قاطع، مؤكدة أن ما يواجهه رواد الفضاء أزمة حقيقية تتطلب جهودًا علمية مكثفة، وليس تعليقات جانبية مثيرة للجدل.

ما يهمني هنا هو تسليط الضوء على أسلوب ترامب في التعاطي مع القضايا المختلفة، حيث يفضّل استخدام نهج غير متوقع حتى في المواقف الحرجة، ويتراوح أسلوبه بين الطرافة والاستفزاز، حتى في أكثر القضايا حساسية.

لكن هذا الأسلوب سلاح ذو حدين؛ فقد يكون أحيانًا أداة فعّالة للتواصل مع الجمهور، ووسيلة لجذب الانتباه وتخفيف التوتر، لكنه قد يكون ضارًا حين يُساء استخدامه، خاصة عند التعامل مع قضايا جادة تتطلب مسؤولية أكبر. فالاستفزاز والطرافة قد يتحولان إلى أزمة إعلامية تؤثر سلبًا على السياسي نفسه إذا لم تتم السيطرة على الرسالة بالشكل الصحيح.

لقد أدى أسلوب ترامب الاستفزازي إلى نجاحات سياسية، أكسبته قاعدة جماهيرية واسعة بين أنصاره، لكنه في الوقت نفسه تسبب في أزمات حادة، بعضها ما زال يلقي بظلاله على المشهد السياسي الأميركي حتى اليوم، مما جعله شخصية مثيرة للجدل وصعبة التقبّل عالميًا.

سجل ترامب السابق مع العراق… ومخاوف التصعيد

خلال فترة رئاسته (2017-2021)، لم يتردد ترامب في إطلاق تصريحات استفزازية بشأن العراق. فقد وصف غزو العراق بأنه “أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة”، منتقدًا الإدارات السابقة بسبب التدخل العسكري. كما وجه إهانات مباشرة إلى القيادات السياسية العراقية في أكثر من مناسبة، مثل تصريحه بأن الولايات المتحدة “يجب أن تحصل على النفط العراقي” كتعويض عن تدخلها العسكري.

اليوم، ومع عودة ترامب إلى الواجهة السياسية، هناك مخاوف من تصعيد جديد في خطابه تجاه العراق، خاصة بعد اللقاء الذي جمعه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي أسفر عن تصريحات ومواقف مستفزة للطرف الأوكراني والأوروبي.

ويظل الملف الإيراني أحد أكثر الملفات التي تشغل ترامب، المعروف بعدائه الشديد لإيران. وعليه، فإن علاقات العراق بطهران قد تكون سببًا رئيسيًا لاستخدامه لغة استفزازية تجاه الحكومة العراقية، خصوصًا أنه لا ينسى مذكرة إلقاء القبض التي أصدرها بحقه القضاء العراقي، فضلًا عن التقارير التي تحدثت عن دعم بعض الأطراف العراقية للمنافس الديمقراطي في الانتخابات الأميركية.

كل هذه العوامل قد تدفع ترامب إلى ممارسة ضغوط شديدة على العراق، خاصة فيما يتعلق بالمشاورات التي جرت بين الجانبين الأميركي والعراقي، في سبتمبر 2024، بشأن اتفاق حول انسحاب قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من الأراضي العراقية، بحلول سبتمبر 2025، مع استكمال الانسحاب بحلول نهاية العام التالي.

هل يجمّد ترامب الاتفاق الأميركي-العراقي؟

هناك مخاوف حقيقية من أن تسعى إدارة ترامب إلى تجميد هذا الاتفاق أو التملّص منه أو تأجيله، كما فعل سابقًا عندما هدد بفرض عقوبات على بغداد بعد تصويت البرلمان العراقي على إخراج القوات الأجنبية عام 2020.

إضافة إلى ذلك، فإن ملف الطاقة والكهرباء قد يدخل على خط التصريحات والضغوط القصوى، مما قد يؤدي إلى مرحلة جديدة من التوتر بين بغداد وواشنطن. كما أن هناك تسريبات عن خلافات خلف الكواليس تتعلق ببعض الشخصيات السياسية والقيادات العراقية، والموقف من الحشد الشعبي، مما يزيد من احتمالية تصعيد الموقف.

قد يرى البعض أن ما يجري هو مجرد جزء من السياسة الأميركية الجديدة تجاه العراق، لكن ما يميز هذه المرحلة هو أن الشخص الذي يدير هذه السياسة لديه مزيج من القرارات والتصريحات الاستفزازية، التي قد تكون تمهيدًا لقرارات أكثر حدة.
فكيف سيكون موقف العراق من هذه السياسة المسبوقة بالتصريحات الاستفزازية؟
والسؤال الأهم: هل كان تعليق ترامب بشأن رواد الفضاء مجرد مزاح، أم أنه بالفعل يرى في العزلة فرصة لولادة مشاعر جديدة؟
وإذا كان الأمر كذلك… فما جديد ترامب بشأن العراق؟ وأي مشاعر ستسود في هذا الجديد؟

شاهد أيضاً

العقوبات الأمريكية تحرق الغاز الإيراني في العراق

د. نبراس المعموري شكّل قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإلغاء الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!