
د. مهند الخزرجي
مع كل دورة انتخابية، تتجدد الدعوات لتعديل قانون الانتخابات في العراق، وسط مطالبات متباينة تعكس التوجهات السياسية المختلفة.
لقد شهد العراق بعد 2003، خمس انتخابات تشريعية، أولها في عام 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقل من عام)، وآخرها عام 2021، والنسخ الأربع الأولى، اعتمدت قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة ما عدى الانتخابات الأخيرة التي اجريت عام 2021 وفق الدوائر المتعددة، بعد ضغط قوي من الشارع.
إلا أن صيغة القانون تغيرت بعد ذلك ففي مارس/آذار 2023، صوّت البرلمان العراقي على قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة.
أهمية الاستقرار القانوني للعملية الانتخابية
إن تغيير قانون الانتخابات بشكل متكرر يؤدي إلى إرباك العملية الديمقراطية، ويُضعف ثقة المواطنين في النظام السياسي. فالقوانين الانتخابية يجب أن تكون راسخة ومستقرة، لا أن تخضع للمساومات السياسية أو تتغير وفقاً لمصالح أطراف معينة. إن الاستقرار القانوني هو عنصر أساسي في تعزيز الديمقراطية وضمان نزاهة الانتخابات. لذلك، فإن الإبقاء على القانون الحالي دون تعديل يمثل ضرورة ملحة في هذه المرحلة لضمان الاستقرار السياسي وحماية إرادة الناخب العراقي. خاصة ان القانون جاء بعد نقاشات موسعة واستند إلى مبادئ العدالة والتمثيل المتوازن لجميع شرائح المجتمع. وأي تعديل غير مدروس قد يُفضي إلى إقصاء فئات معينة أو خلق اختلالات سياسية تؤثر سلباً على تماسك الدولة. لذلك، فإن المحافظة على القانون بصيغته الحالية يعزز التعددية السياسية ويحافظ على حقوق جميع المكونات دون تمييز.
مواجهة الضغوط السياسية والمصالح الضيقة
لا يمكن إنكار أن بعض الدعوات لتعديل قانون الانتخابات تنطلق من مصالح حزبية ضيقة تسعى لتغيير قواعد اللعبة بما يخدم أجندات معينة. وتمارس التدافع الانتخابي مستثمرة سيطرتها على موارد الدولة العراقية، لتحقيق مكاسب آنية لطرف دون آخر.
إن الاستمرار في تعديل قانون الانتخابات قبل كل استحقاق انتخابي يؤدي إلى عدم استقرار المشهد السياسي، ويعطل مسار الإصلاحات الحقيقية التي يحتاجها العراق. فبدلاً من الانشغال بتعديلات متكررة، ينبغي التركيز على ضمان تطبيق القانون الحالي بشكل عادل وشفاف، وتعزيز ثقة المواطن بالعملية الانتخابية.
ختاما .. في ظل التحديات التي يواجهها العراق داخليا واقليميا ، فإن الإبقاء على قانون الانتخابات دون تعديل هو الخيار الأكثر حكمة لضمان استقرار العملية السياسية وحماية للإرادة الشعبية. فلابد أن تكون الأولوية لترسيخ القواعد الديمقراطية وتعزيز مشاركة الناخبين، بدلاً من الانجرار إلى تغييرات غير مدروسة قد تضر بمستقبل البلاد.