
د. مهند الخزرجي
تُعد النقابات والاتحادات المهنية من أهم ركائز المجتمع المدني، حيث تلعب دورًا حيويًا في الدفاع عن حقوق العاملين وتحسين ظروفهم المهنية والمعيشية. في العراق، ورغم وجود عدد كبير من النقابات المهنية، إلا أن غياب قانون شامل ومنظم يحد من فاعليتها، ما يؤدي إلى تداخل الصلاحيات وغياب الرقابة الفعالة.
وتنص المادة (22) من الدستور العراقي على الحق في تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، على أن يُنظم ذلك بقانون، إلا أن العمل بهذه المادة تعثر طيلة الفترة الماضية. ورغم تقديم مجلس الوزراء مسودة لمشروع القانون رقم (107) لسنة 2017، إلا أنه جاء مليئًا بالأخطاء التي تتطلب إعادة صياغته بشكل أكثر موضوعية ومهنية، بما ينسجم مع الهدف الأساسي من تشريعه.
وقد أدى تأخير تشريع قانون ينظم تأسيس وعمل النقابات والاتحادات المهنية إلى اعتراض الحكومات السابقة على مقترحات القوانين المؤسسة للنقابات، بحجة السعي نحو تشريع قانون عام شامل. وعلى الرغم من تشكيل الحكومة لجنة عليا للتنسيق بين مجلس الوزراء والاتحادات والنقابات لمتابعة المستجدات المتعلقة بعملها، إلا أن الجهود لم تُترجم إلى صيغة قانونية نهائية تنظم عملها وفق ما أشار إليه الدستور في مادته (22).
بالمقابل، شهد مجلس النواب حراكًا واضحًا من خلال تقديم مقترح قانون “التنظيم النقابي للعمال والموظفين”، الذي عُرض للقراءة الثانية في البرلمان. إلا أن هذا المقترح واجه رفضًا من قبل الاتحادات والنقابات العمالية، حيث اعتبرته يتضمن عيوبًا وقيودًا تؤثر بشكل مباشر على حقوق العمال في تنظيم أنفسهم بحرية واستقلالية. وما يثير القلق أن مقترح القانون المطروح يقتصر على العمل النقابي العمالي، بينما يتطلب الأمر تشريع قانون شامل ينظم جميع النقابات والاتحادات المهنية، وهو ما يمثل إشكالية كبيرة ينبغي معالجتها من خلال دراسة مهنية وموضوعية بمشاركة جميع الجهات المعنية.
أهمية تشريع قانون ينظم عمل النقابات والاتحادات المهنية
- حماية حقوق العاملين وضمان العدالة المهنية
يُعد وجود قانون واضح وملزم أمرًا ضروريًا لحماية حقوق العاملين في مختلف القطاعات. فمن خلال تنظيم عمل النقابات، يمكن ضمان حقوق الأعضاء في الأجور العادلة، وساعات العمل المناسبة، والتأمين الصحي، والحقوق التقاعدية، مما يقلل من الاستغلال ويحسن بيئة العمل.
- تعزيز استقلالية النقابات والحد من التدخلات السياسية
تعاني العديد من النقابات في العراق من التدخلات السياسية التي تؤثر على قراراتها وتجعلها أداة لتحقيق مصالح معينة على حساب حقوق أعضائها. ويساهم التشريع القانوني في وضع أطر واضحة تضمن استقلالية النقابات، بحيث تعمل وفق مبادئ الحياد والشفافية دون الخضوع لضغوط سياسية أو حزبية.
- تنظيم الانتخابات الداخلية وتعزيز الديمقراطية النقابية
يمنح القانون المقترح آليات واضحة لإجراء انتخابات داخلية شفافة وعادلة، مما يضمن تمثيلًا حقيقيًا للعاملين واختيار قيادات نقابية كفؤة قادرة على الدفاع عن مصالح أعضائها بعيدًا عن التزوير أو التلاعب بالنتائج.
- تحقيق التوازن بين حقوق العمال وأصحاب العمل
لقد أثبتت السنوات الماضية أن غياب التنظيم القانوني أدى إلى نشوء صراعات غير متوازنة بين العمال وأصحاب العمل، مما انعكس سلبًا على بيئة العمل والاستثمار في البلاد. إن تشريع قانون شامل سيضمن تحقيق توازن عادل بين الطرفين، عبر وضع ضوابط تحكم النزاعات العمالية وتوفر حلولًا قانونية عادلة.
- مكافحة الفساد وتحسين الأداء النقابي
تعاني بعض النقابات من شبهات فساد نتيجة غياب الرقابة الفعالة وعدم وجود قوانين تفرض معايير الشفافية والمساءلة. ويساهم التشريع القانوني في وضع آليات رقابية صارمة تضمن حسن إدارة أموال النقابات، وتحقيق الاستفادة القصوى منها لصالح الأعضاء.
- تعزيز دور النقابات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية
عندما تعمل النقابات وفق إطار قانوني منظم، فإنها تصبح شريكًا حقيقيًا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. حيث يمكن للنقابات أن تساهم في تحسين السياسات العمالية والمشاركة في وضع خطط تنموية تدعم العمال وأصحاب المهن، مما يعزز النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.
ختاما.. إن تشريع قانون ينظم عمل النقابات والاتحادات المهنية في العراق لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان تحقيق العدالة المهنية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ومن خلال هذا القانون، يمكن تحقيق بيئة عمل عادلة ومنظمة، وتعزيز الديمقراطية النقابية، والحد من التدخلات السياسية، وضمان حقوق العاملين وأصحاب العمل على حد سواء.
لذلك، ينبغي على الجهات التنفيذية والتشريعية العمل بجدية على حسم موضوع تشريع قانون شامل، يحقق هذه الأهداف، ويضع النقابات والاتحادات المهنية في مسارها الصحيح كأداة للدفاع عن الحقوق وتحقيق التنمية المستدامة.