البرلمان العراقي.. جمود يُفاقم الأزمات

في فصله التشريعي الحالي يشهد البرلمان العراقي حالة غير مسبوقة من الجمود والركود السياسي، وسط غياب واضح للدور الرقابي وتعطل فاضح لتشريع القوانين المهمة.
الجمود هذا لم يكن وليد الصدفة بل هو ناجم عن تداخل عوامل داخلية وخارجية جعلت المؤسسة التشريعية غير قادرة عن أداء مهامها الدستورية، ما انعكس سلبًا على الواقع السياسي والاقتصادي في البلاد.

التوازنات السياسية الهشة التي أفرزتها تسويات ما بعد الانتخابات تعد أبرز العوامل الداخلية التي كرّست هذا الجمود ، فالبرلمان بات محكومًا بتفاهمات بين الكتل الكبرى ما جعل تقاسم النفوذ رأس أولويتها بدلًا من التنافس التشريعي الفعّال، وهذا ما دفع القوى السياسية إلى تجنب اي مواجهة، او تصعيد خوفًا من انهيار التحالفات التي يستند إليها استقرار الحكومة.

وفي المقابل، فإن ضعف الاداء الرقابي للمعارضة البرلمانية بعد انسحاب التيار الصدري جعل البرلمان يفتقد لأي قوة سياسية قادرة على ممارسة الضغط الحقيقي برلمانيا كان او جماهيريا . فالمعارضة المتبقية تعاني من التصدع والتشرذم وعدم امتلاك الأدوات اللازمة لاستجواب الوزراء أو دفع تشريعات حاسمة، ما فسح المجال امام الحكومة العمل دون رقابة فعلية!!.

إلى جانب الجمود السياسي، انشغل البرلمان داخليا بخلافات دستورية وقانونية استنزفت الكثير من وقته، من دون تحقيق أي تقدم ملموس لقضايا مهمة مثل التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات وملف النفط والغاز، وظلت عالقة بين التجاذبات السياسية والخلافات التراكمية، الامر الذي حال دون تمريرها.

الأولويات الأمنية هي الاخرى فرضت نفسها بقوة على المشهد، خصوصًا مع تصاعد التوترات في شمال العراق، واستمرار التهديدات الإسرائيلية لضرب مواقع تابعة للحشد الشعبي كل هذه التحديات دفعت البرلمان إلى الانكفاء عن دوره الرقابي والتشريعي، في وقت تهيمن فيه الحكومة على القرارات المالية بحجة الظروف الاستثنائية.

إلى جانب العوامل الداخلية، لعبت التدخلات الخارجية دورًا كبيرًا في تعطيل العمل البرلماني وتحقيق الخمول فيه، فالعراق لا يزال ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تتجنب بعض الكتل السياسية اتخاذ مواقف قد تُغضب أحد الأطراف، فبينما تضغط واشنطن لعرقلة أي قوانين مهمة تحدّ من نفوذها وتدفعها بالخروج من العراق، تعمل طهران عبر حلفائها على تجميد أي تحركات لا تخدم مصالحها وتضر بالمصلحة الامريكية!!.

ولا ننسى أن انشغال القوى الإقليمية بملفات أخرى كالحرب في أوكرانيا وتنامي النفوذ الاقتصادي الصيني جعل البرلمان العراقي بعيدًا عن أولويات اللاعبين الدوليين الكبار ، مما أتاح بيئة مناسبة لاستمرار الركود السياسي.

ومع اقتراب الانتخابات المحلية والتشريعية، تمتنع العديد من الكتل السياسية عن اتخاذ قرارات حاسمة لها تأثير على شعبيتها مما يجعل الجمود الحالي امتدادًا طبيعيًا لحالة من الترقب، فبدلًا من الانخراط في تشريعات وإصلاحات جوهرية تخدم المواطن ، يركز البرلمان على إعادة ترتيب المشهد السياسي وتقاسم النفوذ في المحافظات.

في ظل هذا الجمود، يبقى البرلمان العراقي عاجزًا عن أداء وظيفته الرقابية والتشريعية، في قبال تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية دون حلول واضحة، وان استمرار هذه الحالة لن يؤدي إلا إلى تعميق الفجوة بين السلطة التشريعية والمواطنين، ممن باتوا يرون في البرلمان مؤسسة غائبة عن همومهم، أسيرةً لحسابات سياسية داخلية وخارجية!!.

صباح زنكنة
رئيس مركز اتحاد الخبراء الاستراتيجيين

شاهد أيضاً

الابتزاز الالكتروني, انهيار الثقة وصعود الخوف.. مجرمون في الخفاء وضحايا في العلن

اسراء الجوراني في عصرنا الذي باتت فيه التكنولوجيا تسيطر على جميع ملامحه وهي حبل النجاة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!