
صباح زنكنة*
قبل مدة تجدد الحديث في الأوساط الاقتصادية العراقية عن إمكانية حذف الأصفار من الدينار العراقي، الفكرة قد تعد خطوة من محطات الركود الفكري والذي طالما نوقشت لكنها لم تُنفذ حتى الآن بسبب مخاوف تتعلق بالاستقرار النقدي والتضخم.
الفكرة هذه في جوهرها تهدف إلى تبسيط العمليات المالية والحسابية وتعزيز الثقة بالعملة مجددا، وتقليل الاعتماد على الفئات النقدية الكبيرةخاصة مع انتشار الدفع الإلكتروني.
والسؤال المطروح هل يمكن أن يكون حذف الأصفار حلاً حقيقيًا، أم أنه مجرد إجراء تجميلي قد يحمل مخاطر غير محسوبة جيدا؟
لقد شهدت دول عدة حول العالم تجارب مشابهة،حيث نجحت تركيا في عام 2005 في حذف ستة أصفار من الليرة، مما أسهم في استقرارها الاقتصادي وتعزيز ثقة المواطنين بعملتها ، ومن جانب الآخر، عانت زيمبابوي وفنزويلا من فشل هذه الخطوة بسبب استمرار الأزمات الاقتصادية مما جعل فكرة حذف الأصفار عديمة الجدوى بل واسهم في تفاقم التضخم بدلاً من السيطرة عليه.
في الحالة العراقية، يمكن أن يحقق حذف الأصفار عدة فوائد إذا تم تنفيذه في بيئة اقتصادية مستقرة. فمثلاً، سيؤدي إلى تسهيل المعاملات المالية والمحاسبية عبر تقليل الأرقام الكبيرة في الفواتير والتقارير المالية ،كما قد يساعد على تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، ما يقلل الاعتماد على الدولار في التعاملات اليومية، وهو ما تسعى إليه السياسات النقدية في العراق منذ سنوات طويلة،إضافة إلى ذلك فإن تقليل الفئات النقدية الكبيرة قد يسهم في خفض تكاليف طباعة العملة الجديدة وإطالة عمر الأوراق النقدية المتداولة، فضلاً عن أنه قد يشجع على التوسع في استخدام الدفع الإلكتروني، مما يحدّ من الاقتصاد النقدي التقليدي.
لكن في المقابل، قد يحمل هذا الإجراء مخاطر كبيرة إذا لم يُنفذ بطريقة مدروسة.
فإرباك السوق خلال فترة الانتقال هذه قد يؤدي إلى ظهور فوضى في التسعيرة وبخاصة إذا استغله التجار لرفع الأسعار والتلاعب بها ،كما أن التجربة التاريخية تشير إلى أن حذف الأصفار ربما لا يرى النجاح إلا إذا ترافق مع إصلاحات اقتصادية حقيقية شاملة تشمل السيطرة على معدلات التضخم، وتحقيق استقرار مالي طويل الأمد، وإصلاح البنية التحتية الاقتصادية.
مع توسع أنظمة الدفع الإلكتروني، قد تكون الفرصة مواتية أكثر من أي وقت سبق لتنفيذ هذه الخطوة والتي يعتمد نجاحها على التخطيط الدقيق والتدرج في التطبيق والتوعية المجتمعية لمنع أي تداعيات سلبية.
ويبقى السؤال الابرز في خضم هذه الفكرة : هل العراق مستعد لهذه الخطوة أم أن التوقيت لا يزال غير مناسب؟
……
*رئيس مركز اتحاد الخبراء الاستراتيجيين