التربية الإعلامية والمواطنة

د. محمد وليد صالح كاتب عراقي

إلى جانب ما يمثله الإعلام كقوة مؤثرة وفاعلة في المجتمع، فإن الإعلام ووسائله يتمتعان بقدرة كبيرة على الإقناع سواء بشكل واضح وصريح أو بشكل خفي ومستتر. ويمكن للإعلام أن يُدخل العديد من التعديلات على حياتنا وأفكارنا، بل والأكثر من ذلك، أصبح يشكل مستودعًا للذاكرة الاجتماعية ومخزونها المعرفي. إذ يحتوي الإعلام على مضامين التصور الاجتماعي بأبعاده ومعطياته المتباينة، ويعد سمة أساسية ومدخلًا اجتماعيًا لأهمية الاعتراف وقبول الآخر لتعزيز التنوع الثقافي.

لذلك، تسعى الدول بمختلف أيديولوجياتها إلى إيجاد علاقات طيبة مع الجماهير داخل البلاد وخارجها من خلال توافر المعلومات والحقائق والبيانات الإيحائية حول ما تقوم به من أعمال لخدمة تلك الجماهير وتعميق الثقة بينها. فضلاً عن فهم النمو في وسائل إعلام الأقليات على مستويين: الأول كاستجابة سياسية من جانبها بهدف المشاركة العامة المتكافئة في المجتمع، والثاني هو سيطرة الصناعات الإعلامية ومساحة التفاوض على الهوية. ويتصل هذان الأمران بسياسة تمثيلها التي تركز على إنتاج أشكال متنوعة من الإعلام والتمثيل لمواجهة الأفكار المتبلورة للجماعات، بدلاً من التصدي للهموم والاهتمامات المتعلقة بالتحيز والصورة الذهنية الإيجابية والسلبية والوصول إلى المؤسسات الإعلامية. في العالم الاجتماعي والثقافي، يُعتبر كل شيء إعلامًا.

أما تقانات المعلومات ووسائل الاتصال، فقد سمحت شبكة المعلومات الدولية للأفراد من جميع أنحاء العالم بالارتباط بشبكة تفاعلات كونية. الخصائص المتأصلة في هذه المنظومة هي الطبيعة المنتشرة واللامركزية وغير المنتظمة. ورغم محاولات التحكم والتمركز والتنظيم في مجال الإنترنت، إلا أنها فشلت في زمن قبضة قوية لتطويق العالم الرقمي الممتد. ذلك لأن الشبكة قد صممت عمدًا لسلوك طرق جانبية لتجنب مبدأ التحكم المركزي. المنظومة الحكومية، التي تعتمد على الأشكال المنطقية مثل القانون، ليست مجهزة ببساطة للتعامل مع التحديات التكنولوجية التي فرضتها تقانات المعلومات ووسائل الاتصال.

وفي مجال الإعلام الإلكتروني، لا يُعير بعض صحفيي المواقع الإلكترونية اهتمامًا كبيرًا للقيم والأعراف الصحفية وأدبيات العمل الصحفي. قد يعود ذلك إلى جهلهم بها أو أنهم لم يحصلوا على مؤهل علمي في أكاديميات الإعلام. فتارة يميلون إلى الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة وآدابها، وأخرى يتحدثون عن حرية الرأي والتعبير. قد تقتضي الأخلاقيات الصحفية أن يكون الصحفي مراقبًا ومحللًا في آن واحد.

تظهر هنا أهمية التربية الإعلامية في تعزيز مفهوم المواطنة وترسيخه لدى الأجيال الحديثة العهد. فالتربية الإعلامية تهدف إلى تكوين قدرات الأفراد ومهاراتهم ليتمكنوا من المشاركة العامة الإيجابية والفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية كمواطنين يؤمنون بقيم المجتمع ويحافظون على مصالحه الدستورية، من أجل حياة ديمقراطية وسلام اجتماعي يضمن حياة كريمة لأفراد المجتمع. كما تهدف إلى تأسيس فكرة المواطنة وفقًا للقانون وممارستها فعليًا، إذ لا ديمقراطية بدون مواطنة حقيقية.

شاهد أيضاً

تعطيل الدور الرقابي لمجلس النواب العراقي: أزمة سياسية أم منهج مقصود؟

د. مهند الخزرجي يُعَدّ مجلس النواب العراقي السلطة التشريعية والرقابية الأعلى في البلاد، إذ يتمتع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!