د. نبراس المعموري
مع عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية، تتجه الأنظار نحو استراتيجيته المحتملة في التعامل مع إيران. و تشير التقارير الأولية إلى أن فريق ترامب يعتزم تفعيل سياسة “الضغط الأقصى” بهدف تقليص نفوذ إيران الإقليمي وإجبارها على تقديم تنازلات في ملفاتها النووية والصاروخية.
وتتمثل ملامح الاستراتيجية الأمريكية بتوسيع دائرة العقوبات الاقتصادية مع التركيز على القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز، بهدف تقليص الإيرادات المالية لإيران والضغط بشكل اكبر على اقتصادها، و استهداف الكيانات والأفراد الذين يسهمون في دعم أنشطتها بالمنطقة، إضافة إلى تعزيز التحالفات والعلاقات في الشرق الأوسط لتشكيل جبهة موحدة تحت عناوين متعددة مثل انتهاكات حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب لتبرير التلويح بالخيار العسكري ضد ايران كوسيلة لردع الأخيرة عن أي تصعيد محتمل جراء ما ترتب عن استهداف حزب الله في لبنان ونظام بشار الاسد في سوريا وكذلك غزة .
إلا أن تبني الولايات المتحدة استراتيجية الضغط الأقصى قد لا تحظ بتأييد واسع من قبل الحلفاء الأوروبيين، مما قد يؤدي إلى تباين في المواقف الدولية تجاه إيران. خاصة أن العقوبات التي يلوح بها ترامب على قطاع النفط الإيراني عبر أسطول الظل، و سحب نحو 1 إلى 1.5 مليون برميل يومياً من الخام الإيراني، من الأسواق العالمية بحلول الصيف المقبل سيؤدي إلى تقلبات في أسعار الطاقة عالمياً ، وهذا يستدعي تنسيقاً مع الدول المنتجة الأخرى لضمان إستقرار السوق.
ما هي أستراتيجية إيران؟
الخبرة السابقة للنظام الإيراني في كيفية التعامل مع سياسة دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، قد تؤدي إلى أن تتبنى إيران استراتيجية متعددة الجوانب لمواجهة ما يلوح به الرئيس الأمريكي المنتخب ، وذلك من خلال تعزيز التحالفات الدولية مع دول مثل الصين عن عبر تفعيل اتفاقيات اقتصادية طويلة الأجل، وزيادة الصادرات إلى روسيا والدول الأخرى غير المتأثرة بالعقوبات، إضافة إلى الالتفاف على العقوبات الاقتصادية، باعتماد طرق عدة مثل استخدام الشركات الوسيطة والتحويلات المعقدة لتصدير النفط والغاز. و دعم الصناعات المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات. و التوسع في استخدام العملات الرقمية والعملات غير الأمريكية للتجارة الدولية. إضافة إلى تصعيد الأنشطة الإقليمية بدعم الحلفاء الإقليميين في العراق، و اليمن، و لبنان، لخلق مزيد من التحديات الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. و تنفيذ مناورات عسكرية لإظهار قدراتها الصاروخية والبحرية، خصوصًا في مضيق هرمز. كما بإمكان إيران استخدام برنامجها النووي كورقة ضغط وهذا يعود بنا الى ما صرح به الأدميرال المتقاعد في البحرية الأميركية مارك مونتغمري وجيمس أندرسون القائم بأعمال وزير الدفاع السابق للسياسات بشأن احتمالية نشوب حرب كبرى بين 5 لاعبين رئيسيين من بينهم ايران .
إلا أن ما ذكرناه أيضا مرهون بمدى قدرة النظام الإيراني على الاستثمار في الداخل و تهدئة الشارع الإيراني خاصة بعد ارتفاع الأعباء الاقتصادية الداخلية. وأمام التحدي الاقتصادي وكذلك الاقليمي المتمثل بالتغييرات السياسية التي شهدتها سوريا وكذلك لبنان، قد تضطر إيران إلى المفاوضات المشروطة وفق عملية حسابية للمعادلتين التي هي خلاصة للاستراتيجية الأمريكية المحتملة وكذلك الاستراتيجية الإيرانية ضمن اطار تكتيكي فرضته التحولات الدولية والإقليمية .