مستقبل سوريا بين مسارات التغيير والحلول المستقبلية

د. نبراس المعموري

يعد التغيير السياسي الذي شهدته سوريا في 8 ديسمبر 2024؛ فصلا مهمًا في تاريخ البلاد، بعد إسقاط حكم دام 53 عاما. وأمام سرعة إسقاط نظام بشار الأسد وتداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية أمست المسارات المحتملة تتأرجح بين :

أ. مسار المصالحة الوطنية وبناء دولة جديد بإجراء تسوية سياسية شاملة والاتفاق على إعادة بناء المؤسسات و عودة اللاجئين.
ب. مسار عدم الاستقرار و تصاعد وتيرة النزاع الداخلي و تفكك الدولة ، وتنامي الجماعات المتطرفة والإرهابية التي يمكن ان تستثمرها أطراف خارجية.
ج. مسار إعادة فرض السيطرة المركزية في حال نجاح قيادة جديدة في فرض سيطرتها الكاملة على البلاد.

وبغض النظر عن تنوع واختلاف المسارات المحتملة إلا أنها في النهاية خاضعة لحجم وتأثير التحديات وكيفية مواجهتها ولعل في مقدمة تلك التحديات التي تواجه مستقبل سوريا هي التحديات السياسية خاصة أن البلاد عانت أزمات سياسية معقدة نتيجة تصاعد وتيرة النزاع الداخلي، والانقسام المجتمعي، و تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية حيث تعد سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين قِوَى إقليمية مثل تركيا وإيران، ودولية مثل روسيا والولايات المتحدة.
كما تمثل التحديات الاقتصادية عاملاً آخر لابد من مواجهته فقد أعلنت وكالات الأمم المتحدة، ان أكثر من 90% من السوريين يعيش تحت خط الفقر. واتساع رقعة البنى التحتية المدمرة، وحاجتها إلى الإعمار، التي تقدر تكاليفها بمئات المليارات من الدولارات، و غياب الاستثمار المحلي والدولي الذي يحتاج إلى استقرار سياسي وإصلاحات قانونية واقتصادية جادة. إضافة إلى التحديات الاجتماعية المتمثلة بتدهور قطاعي التعليم والصحة وعودة اللاجئين والنازحين وكيفية دمجهم من جديد.

‎التداعيات المستقبلية

‎ما زال تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى متواجداً في سوريا وهذه الجماعات تسعى إلى استغلال انعدام الاستقرار لاستعادة موطئ قدم تعزز وجودها ونفوذها، وبالرغم من ان القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام أحمد الشرع اكد خلال لقائه مبعوث الأمم المتحدة بيدرسون، على أهمية وحدة سوريا وإعادة الإعمار وتأهيل المؤسسات لبناء نظام قوي وفعال. ألا انه تبقى الأفعال واستمرارها هي الأهم خاصة ان هيئة تحرير الشام التي يقودها (الشرع) تصنف ضمن الجماعات المتطرفة دينيًا، وهذا شكّل تحديًا كبيرًا أمام مدى حقيقة التغيير المستقبلي الإيجابي الذي يتبناه الشرع. كما ان استيلاء الكيان الصهيوني لقمة جبل الشيخ وهي أعلى قمة في سوريا، تبعد 35 كيلو مترا (حوالي 22 ميلا) عن دمشق وتعد منطقة عازلة كانت تفصل بين قوات الكيان الصهيوني، والسوري، لمدة 50 عامًا، وكانت منزوعة السلاح، وتحرسها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. إلا أن سيطرة الكيان الصهيوني عليها تضع العاصمة السورية في مرمى المدفعية في حالة إعلان الأخير هناك تهديداً لأمنه !!

الحلول الممكنة

ان بناء استراتيجية أمنية متوازنة عن طريق القضاء على الجماعات المتطرفة سياسيا ودينيا، ودعم القِوَى المعتدلة والمعارضة السياسية التي تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية تعد أولى الحلول . و لا يكفي القضاء على هذه الجماعات عسكريًا، بل يجب معالجة الأيديولوجيات التي تغذيها بواسطة برامج تعليمية وثقافية لتعزيز قيم التسامح والتعايش. والعمل على بناء النسيج الاجتماعي في سوريا على أسس المساواة والعدالة دون تمييز عرقي او جنسي او ديني. إضافة إلى أعادة قمة جبل الشيخ لوضعها السابق منطقة منزوعة السلاح، وتحرسها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منعا لأي تحرك من قبل الكيان الصهيوني بحجة المجاميع الإرهابية وامن إسرائيل !!
ان مستقبل سوريا بعد التغيير يعتمد على مدى قدرة السوريين انفسهم دون السماح لتدخل أطراف خارجية على تجاوز خلافاتهم وبناء مشروع وطني شامل يعي حجم التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. مع أهمية اختيار قيادة واعية قادرة على التعامل مع الواقع الداخلي المعقد والتحديات الخارجية، والاستفادة من التجارب السابقة، مع التركيز على تحقيق العدالة والمصالحة وبناء دولة حديثة تضمن حقوق جميع مواطنيها دون استثناء. ولعل دعوة المبعوث الأممي لتنفيذ عملية انتقالية “جامعة” لتجنّب “حرب أهلية جديدة” في سوريا تفتح باب التساؤلات أمام الدور الذي ستلعبه الحكومة الانتقالية التي شكلتها هيئة تحرير الشام من أجل تسيير شؤون البلاد حتى مارس من العام المقبل وفق ما أشرنا له من تحديات.

شاهد أيضاً

السلوك المدرسي يقرع  ابواب التنشئة 

د. نبراس المعموري  يعد سلوك المعلمة او المعلم في المدرسة، امراً مهما  في تشكيل شخصية الطفل، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!