د. نبراس المعموري
قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني اعتبرته اشتقاقاً لمصلح الغاية منه الأشارة إلى حالة وجودية أو فكرية سائدة أطرافه أفراد أو مجتمعات أو حتى مؤسسات.. يتصفون بحالة من فقدان القدرة على التوازن بين الإدراك الواقعيّ والطموح غير المنطقي. إنها تشبه الدخول في مدارات الأنقطاع عن التفكير الواعي، حيث يعيش أطراف هذه الحالة دون هدف واضح، أو يندفعون بتوجهاتهم بعيدا عن المنطق والعقلانية، نتيجة لسلوكيات أو تصورات أنانية ونرجسية ، مما يجعلهم مغيبين عن واقعهم وبعيدين عما ينتظرهم .
المدى المتناقض!
الأفراد الذي يدخلون في هذا النوع من الغيبوبة يعانون من الانفصال عن وعيهم الذاتي. ويصبحون منشغلين بأفكار مشتتة أو أهداف سطحية لا تمت بصلة للواقع . ويحاولون إيهام أنفسهم ومن يحيطونهم بأنهم بأفضل حالاتهم. وقد تنطبق هذه الحالة على مجتمعات بأكملها عندما تندفع نحو تغييرات جذرية دون تخطيط أو وعي، أو حينما تظل عالقة في عادات وتقاليد تمنعها من تحقيق نهضة شاملة وتسوغ أفعالها بازدواجية متناقضة. أما في مجال العمل المؤسساتي، يمكن أن تشير “غيبوبة المدى ” إلى سياسات قصيرة النظر أو قرارات عشوائية تؤدي إلى كوارث مستقبلية نتيجة انعدام التخطيط والرؤية وغياب العمل المؤسساتي الرصين.
لماذا المدى في غيبوبة؟
أن الجهل أو تجاهل التحديات الحقيقية، والتعلق بالسطحية من خلال التركيز على الأمور المادية أو المظاهر الاجتماعية على حساب القيم العميقة وتناقض المبادئ؛ يؤدي إلى فقدان المعنى والهدف، ويجعل الأفراد أو المجتمعات عرضة للدخول في هذه الغيبوبة، كما ان التسرع والطمع لتحقيق نتائج فورية دون تخطيط للمستقبل؛ يؤدي إلى قرارات حمقاء قد تُبقي الإنسان أو المجتمع أو حتى المؤسسات في غيبوبة طويلة وضياع .
التعافي من الغيبوبة !
غالبًا ما تعتمد الطريقة العلاجية للغيبوبة على المسبب الأساسي لها لذلك فإن التأمل الذاتي ومراجعة الأهداف الشخصية والجماعية وإعادة تقييمها هو الخطوة الأولى للتعافي واستعادة التوازن، ثم إن التخطيط للمستقبل على نحو صحيح و رؤية بعيدة عن النرجسية والانفصال عن الواقع ، يعيد توجيه الجهود نحو تعزيز الحوار البناء حول القيم والتحديات الحقيقية وكيفية إيجاد الحلول وتبادل الآراء، وهذا يساعد على الخروج من دائرة الغيبوبة، ويجعلنا منتجين وفاعلين من دون (لمسات وهمية).
ختامًا: “غيبوبة المدى ” ليست مجرد وصف لحالة من فقدان الوعي للمستقبل، بل هي دعوة لإعادة التفكير في كيفية عيش الحاضر والتخطيط للغد. إن تجاوز هذه الغيبوبة يتطلب شجاعة لمواجهة الذات برؤية ومراجعة حكيمة لما أتم ، وفق ما توفر من فرص وأموال وعلاقات كان بالإمكان أن تقلب موازين الأمور ، وتحقق الأفضل .. فالمدى ليس مجرد لحظة عابرة، بل هو حياة كاملة علينا أن ندركها بعمق وعقلانية بعيد عن ثورة زائفة نحاول أن نوهم الآخرين بها .
والشاطر يفهم !!