مؤسسة ومتخصصة في العلاج المعرفي السلوكي
أسست أول مركز في العراق للعلاج السلوكي حاصلة على
شهادة الماجستٌر في دراسات الطفولة والشباب.. عملت في السويد بشكل مكثف على مساعدة الأفراد في اكتشاف دوافعهم الداخلية، والتعامل مع الأفكار السلبية، وتحسين التواصل .
قدمت العديد من الورش في العراق، مثل ورش للطلاب الموهوبين ومعلميهم، و ورش لمعالجي الإدمان حول منهجيات علاجية مبتكرة، وورش متعلقة بصحة المرأة واضطراب ما بعد الصدمة. كما قدمت تدريبات للعاملين الاجتماعيين حول كيفية استخدام أساليب فعالة في دعم الأفراد.
لمجلة صوتها كان هذا الحوار مع رشا مهند المتخصصة في العلاج السلوكي
كيف كانت طفولتك وهل لها علاقة بتخصصك في العلاج النفسي والسلوكي ؟
طفولتي لم تكن سهلة، على الرغم من أنني نشأت في السويد طوال حياتي. كان والداي من أوائل المهاجرين العراقيين إلى السويد، وكانا يعانيان من حنين شديد للوطن، والوحدة، والشوق إلى البلد الذي نشآ فيه. لم يكن لدينا أقارب أو أصدقاء هنا، ولم يكن والداي يتحدثان اللغة السويدية، وكانا مضطرين للعمل في أي مجال رغم اختلاف مكانتهم الاجتماعية كثيرًا في العراق. لقد نشأنا على قيم وأخلاق قوية ترسخت فينا نحن الإخوة جميعًا.
منذ طفولتي، كنت أعاني من مشاكل صحية، وكان المرض دائمًا السبب الذي جعلني أرغب في الاستمرار بالعمل مع الناس، وكان أصدقاء والدي من العراقيين مفكرين، وكنت أحب الجلوس معهم والاستماع إلى أفكارهم. ولهذا السبب، كتبت في دفتر يوميات عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري أنني أريد أن أصبح طبيبة نفسية، وكنت أصنف الناس حسب شخصياتهم حتى قبل أن أتعرف على هذا النوع من التصنيفات بشكل علمي.
برأيك أيهما اكثر تاثيراً في تنشئة وتشكيل سلوك الإنسان الام ام الاب ؟
برأيي، كلا الوالدين يلعبان دورًا حيويًا ومتكاملاً في تنشئة وتشكيل سلوك الإنسان. لا يمكننا إنكار أن الأم تقدم نوعًا من الأمان والراحة الذي ينعكس في سلوك الطفل بشكل خاص، لكن الأب أيضًا له تأثير كبير، خاصةً في مجالات مثل تقديم القدوة والنظام والدعم العاطفي المختلف.
الشيء الذي أراه غريبًا في العراق هو أنه عندما ينفصل الزوجان، غالبًا ما يمنع الوالد الذي يملك حضانة الأطفال الوالد الآخر من رؤيتهم. هذا يحدث عادة لأسباب شخصية أو إرضاءً للأنانية، لكنهم لا يدركون أن هذا السلوك يلحق ضررًا كبيرًا بالأطفال.
افتتحتي مؤخرا أول مركز متخصص للعلاج السلوكي في العراق من اين جاءت الفكرة بالرغم من انك تعيشين في السويد ؟
دائمًا ما أمزح وأقول إنني ضللت الطريق إلى المطار، لكن في أعماقي أعرف أن الأمر أعمق من ذلك. إنه مرتبط بالحب الكبير الذي زرعته عائلتي في قلبي تجاه العراق. الأمر يتجاوز الرغبات الشخصية؛ لقد رأيت الحاجة الحقيقية هناك، ورأيت كيف يمكنني أن أساهم في سد تلك الفجوة. نعم، هذا القرار لم يكن سهلًا، لكنه جاء من إحساسي بمسؤولية عميقة. لدي رسالة، وهدفي هو أن أكمل هذه الرسالة حتى النهاية. أنا هنا ليس فقط من أجل العمل، بل من أجل تقديم شيء أكبر، شيء ينبع من حبي لعائلتي وبلدي، ورغبتي في إحداث تغيير حقيقي.
لديك خبرة واسعة أكثر من 15 عام في مجال الصحة النفسية ، كيف تقيمين الصحة النفسية في العراق ؟
كل الخبرة التي اكتسبتها خلال سنوات عملي في مجال الصحة النفسية في السويد، حيث تعاملت مع مختلف الجنسيات والثقافات، وكل الكتب التي قرأتها، تجعلني أقول بصراحة أن التعامل مع الصحة النفسية في العراق يمثل تحديًا كبيرًا. إنها ثقافة معقدة للغاية، وتتطلب مرونة عالية من المعالج، بالإضافة إلى مستوى عالٍ من التعاطف دون إطلاق الأحكام.
الصحة النفسية في العراق بعد الأزمات المتكررة أصبحت معقدة جدًا، حيث يعاني الكثير من آثار الصدمات النفسية دون توفر الدعم الكافي. الأزمات المتواصلة ولّدت طبقات من الألم النفسي، وهذا يجعلنا أمام حاجة ماسة لتقديم الدعم العلاجي بطرق مبتكرة تتناسب مع تعقيدات الثقافة المحلية، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من الاحترافية والتعاطف.
هل الأزمات التي مر بها الفرد العراقي زادته قوة ام العكس ؟
الأزمات التي مر بها الفرد العراقي قد تكون سلاحًا ذا حدين، فقد أعطته القوة والقدرة على الصمود في وجه التحديات وتطوير أدوات نفسية لمواجهة الصعاب. والتجربة الشخصية القصيرة التي قضيتها في العراق جعلتني أتأمل في ظاهرة عميقة ومركبة.
في الوقت الذي يسعى فيه الأفراد إلى الفرح ويتطلعون إلى مستقبل أفضل، يبدو أن هناك انجذابًا قويًا نحو الحزن، كأن الحزن يمثل لهم مساحة للتعبير عن مشاعرهم المكبوتة، ومكانًا للتعامل مع ما قد تم تجاهله أو تفاديه. من هذا المنطلق، نجد أن التجارب المؤلمة تصبح جزءًا من هويتهم الجمعية، لكن هذا قد يولد أيضًا سلوكًا متناقضًا. هذا السلوك الذي يعبر عن حذر دائم يمنع الكثيرين من الاستمتاع بالنجاح وتحقيق السلام الداخلي، ويجعلهم أسرى لدائرة من الخوف والشك.
هل تعتقدين ان الإطفال في المدارس بحاجة إلى متابعة ومرشد نفسي واجتماعي ؟
بالتأكيد، الأطفال في المدارس بحاجة ماسة إلى متابعة وإرشاد نفسي واجتماعي. العراق يمر حالياً بغزو ثقافي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أدى هذا إلى خلق فئات اجتماعية جديدة ألاحظها بوضوح. الأطفال اليوم يستقبلون كل شيء دون فلترة، وهذا يخلق فجوة ثقافية بينهم وبين أسرهم. إضافة إلى ذلك، الارتفاع الملحوظ في نسب الطلاق يزيد من عزلة الأطفال وضياعهم.
من المهم جداً أن يكون لكل طفل وشاب شخص بالغ يثق به ويشعر بالأمان معه. خاصةً وأن هيكل الأسرة قد تغير بشكل كبير، ففي الماضي كانت العائلات تعيش مع الأجداد أو الأقارب، وكان هناك دائماً شخص بالغ قريب يدعم الطفل. أما اليوم، فنجد أطفالنا لديهم آلاف المتابعين على وسائل التواصل، ولكن عندما يمرون بأزمة أو يشعرون بالحزن، لا يجدون شخصاً يتحدثون إليه.
علينا أيضًا أن نعمل على خلق بيئة آمنة يشعر فيها الأطفال بالأمان والدعم، وإلا سيبحثون عن الإجابات والنصائح من أقرانهم الذين هم في الأساس أطفال مثلهم، وقد لا يكون لديهم الحكمة أو الخبرة الكافية لتوجيههم بشكل صحيح.
هل تعتقدين انه بالامكان توجيه المجتمع وإرشادهم نفسيا عبر منصات التواصل الاجتماعي ؟
هناك جانبين لهذا الموضوع. من جهة، من الجيد أن هناك مقاطع فيديو قصيرة على منصات التواصل الاجتماعي تهدف إلى توعية الناس وتطبيع الحديث حول الصحة النفسية. هذه المقاطع تساعد في رفع الوعي وتخفيف الوصمة المرتبطة بالاضطرابات النفسية.
ولكن من جهة أخرى، هناك خطر كبير في أن المشاهد يبدأ بسرعة في تشخيص نفسه أو الآخرين بناءً على هذه المقاطع. الخوف الأكبر هو أن الشخص الذي يقدم هذه النصائح قد لا يكون لديه الأساس الأكاديمي أو المهني الصحيح، مما يؤدي إلى تضليل المتابعين بدلًا من توجيههم بشكل صحيح.
ما هي أهدافك للمستقبل ؟
أهدافي للمستقبل تتمحور حول توسيع نطاق عملي في مجال العلاج النفسي والسلوكي في العراق، وأن أكون جزءًا من تحسين الصحة النفسية في المجتمع. رؤيتي هي بناء مركز يكون مرجعًا مهمًا لتقديم الدعم النفسي والعلاجي، حيث يمكن للأفراد والمؤسسات العثور على الأدوات التي يحتاجونها للتعامل مع تحديات الحياة. أطمح أيضًا إلى تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية وتطبيع الحديث حولها في العراق. هدفي الأكبر هو أن أترك أثرًا إيجابيًا في حياة الناس، وأن أحقق رسالتي في هذا المجال
كيف وجدتي المرأة العراقية ؟
المرأة العراقية قوية، تتحمل ما يفوق طاقتها، وتجد صعوبة في قول “لا” أو أن تضع نفسها في مقدمة أولوياتها. هذا ليس دليلًا على اللطف، بل هو تجاهل لاحتياجاتها الشخصية، وهو ليس عدلًا بحق نفسها. ما يزيد الأمور تعقيدًا هو الغزو الثقافي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تروج معتقدات وأفكار غير حقيقية تجعلها تشعر بالضياع. يجب أن تتوقف وتفكر: “من أنا؟ وماذا أريد أن أكون؟”
أشجعها دائمًا على أن تتجرأ وتتحدث عن مشاعرها دون خجل، لأن قمع هذه المشاعر سيؤدي في النهاية إلى أن الجسم يعبر عنها من خلال الأمراض مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة.
كلمة اخيرة لمجلة صوتها
كلمتي الأخيرة لمجلة صوتها هي كلمة شكر وامتنان. يسعدني ويشرفني أن أكون جزءًا من دعم المرأة العراقية، وأنكم تؤمنون بأهمية الصحة النفسية. أسعدني أيضًا أنكم تقدمون لها المعلومات الصحيحة من مختصين في المجال، في وقت تملأ فيه الآراء الشخصية المنصات أكثر من المعلومات المبنية على حقائق.