العلاجُ بالفنِّ عالمٌ فريدٌ، يجمع بين قوَّةِ الإبداع، وروعةِ الفنِّ، وأساليبِ علمِ النفس لخلق وسيلةٍ تعبيريَّةٍ غير لفظيَّةٍ، تسهم في تحسينِ الصحَّة النفسيَّة للأفرادِ من كلِّ الأعمار. يُنظَرُ إلى الفنِّ أحياناً بأنه رفاهيَّةٌ، لكنَّ الحقيقة، أن غيابه عن المنازلِ وبعض المؤسَّساتِ التعليميَّة، يعدُّ خسارةً كبيرةً، إذ أظهرت أبحاثٌ، أن الأنشطةَ الإبداعيَّة، تسهم بشكلٍ كبيرٍ في تطويرِ العقلِ والفكر، خاصَّةً لدى الأطفال، ما ينعكسُ إيجاباً على سلوكهم، وعلاقاتهم في المستقبل،
ما هو العلاج بالفن؟
العلاجُ بالفنِّ، ليس مجرَّد وسيلةٍ للتعبيرِ عن المشاعرِ التي يصعبُ وصفها بالكلمات، وإنما جسرٌ، يساعدُ الأفرادَ في الوصولِ إلى أعماقِ ذواتهم وفهمها بشكلٍ أعمق. هذا النوعُ من العلاج، يفتح أبواباً جديدةً للفهم الذاتي، والتعبيرِ العاطفي، ما يعزِّزُ من رفاهيَّة الأفراد، ويسهم في تحسينِ نوعيَّة حياتهم بشكلٍ شاملٍ.
يعدُّ العلاجُ بالفنِّ أحدَ الأساليبِ العلاجيَّة التي تعتمد على الاستفادةِ من العمليَّة الإبداعيَّة بوصفها جزءاً من العلاجِ النفسي، ما يسهم في تعزيزِ الصحَّة النفسيَّة والجسديَّة. هذا النوعُ من العلاج، يساعدُ في الوصولِ إلى العقلِ الباطن، ما يمكِّن من استخراجِ المشاعرِ والأفكارِ المكبوتة، وإحضارها إلى الوعي. توضح نيفين، أن «العلاجَ بالفنِّ، لا يتطلَّبُ أي مهاراتٍ فنيَّةٍ مسبقةٍ، فالهدفُ الأساس، ليس إنتاجَ عملٍ فنِّي متكاملٍ، بل التركيز على العمليَّة الإبداعيَّة بحدِّ ذاتها، وتوفيرُ وسيلةٍ للتعبير عن العواطفِ التي يصعبُ وصفها بالكلمات».
من أهداف العلاج بالفن
استخدامُ الإبداعِ لاستكشافِ المشاعرِ والأفكارِ المخفيَّة: يتيح هذا النهجُ للناسِ الفرصةَ لاكتشافِ الجوانبِ المخفيَّة من أنفسهم التي قد تؤثِّر في سلوكهم، ومشاعرهم دون أن يدركوا ذلك.
تعزيزُ الوعي الذاتي: من خلال العمليَّة الإبداعيَّة، يصبح الأفرادُ أكثر وعياً بأفكارهم ومشاعرهم الداخليَّة، ما يسهم في فهمٍ أعمقَ للذات.
التعبيرُ عن المشاعرِ المعقَّدة: يتيح الفنُّ للأفرادِ التعبيرَ عن مشاعرهم التي قد يجدون صعوبةً في التعبيرِ عنها بالكلمات، ما يخفِّفُ من الضغطِ النفسي.
مواجهةُ الصراعات الداخليَّة: من خلال العملِ الفنِّي، يمكن للأفرادِ استكشافُ الصراعاتِ الداخليَّة، والتعاملُ معها بطرقٍ بنَّاءةٍ، ما يعزِّزُ من صحَّتهم النفسيَّة.
تحسينُ المهارات الاجتماعيَّة والعاطفيَّة: يسهم العلاجُ بالفنِّ في تطويرِ المهاراتِ الاجتماعيَّة والعاطفيَّة، بالتالي زيادةُ قدرةِ الأفرادِ على التفاعلِ مع الآخرين بطرقٍ أكثر إيجابيَّةً وفاعليَّةً.
تحسينُ الوظائف العقليَّة: يُحسِّن هذا النوعُ من العلاجِ الذاكرةَ، والقدرةَ على التركيز، ويخلقُ تحدِّياتٍ جديدةً للمخ، تساعده في الحفاظِ على نشاطه وحيويته، ما يؤخِّر الإصابةَ ببعض الأمراضِ المرتبطةِ بالعمر مثل الزهايمر.
الخلفية التاريخية للعلاج بالفن
العلاجُ بالفنِّ له جذورٌ، تمتدُّ إلى قرونٍ، إذ استُخدِمَ الفنُّ وسيلةً للتعبيرِ عن النفسِ، والتعاملِ مع التحدِّيات النفسيَّة. مع ذلك، تطوَّر العلاجُ بالفنِّ بوصفه مجالاً احترافياً في النصفِ الأوَّلِ من القرنِ العشرين. في الأربعينيات، بدأت مارجريت ناومبرج، المعروفةُ بأنها رائدةٌ في هذا المجال، بنشرِ دراساتِ حالةٍ، وابتكرت مصطلحَ «العلاج الديناميكي بالفنِّ».
وفي الثلاثينيات، أسهم الفنَّانُ البريطاني أدريان هيل في تطويرِ هذا المجالِ عندما لاحظَ تأثيرَ الرسمِ والتلوينِ في تحسينِ حالة الجنودِ الجرحى خلال فترةِ تعافيهم في المستشفياتِ العسكريَّة. كانت ملاحظاته نقطةَ انطلاقٍ لفهمٍ أعمقَ لكيفيَّة استخدامِ الفنِّ أداةً علاجيَّةً.
كذلك من المهمِّ إلقاءُ الضوءِ على إسهاماتِ إديث كرامر، إذ لعبت دوراً حيوياً في تطوُّرِ العلاجِ بالفنِّ. كانت كرامر، التي تدرَّبت بوصفها فنَّانةً ومعالجةً نفسيَّةً، من بين الأوائل الذين ركَّزوا على القيمةِ العلاجيَّة للعمليَّة الإبداعيَّة بحد ذاتها، وليس فقط على المُنتَجِ النهائي. عبر عملها، أسَّست مفهومَ “الفنّ كعلاجٍ”، مؤكدةً أن الفنَّ، يمكن أن يكون وسيلةً للتعبيرِ عن الصراعاتِ النفسيَّة الداخليَّة، ومعالجتها بشكلٍ فاعلٍ.