قانون الاحوال الشخصية ونفق المزايدات السياسية 

د. نبراس المعموري 

اثار مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الكثير من النقاشات والجدل، بعد ان استثمر بصيغة دعائية لا تنم عن الشعور بالمسؤولية ،وعدم الاكتراث بما يترتب عن نزوات انتخابية؛ في زيادة التفكك وضياع الحقوق .

في مجتمع مثل العراق تلعب التقاليد والقيم الاجتماعية دوراً كبيراً في الحياة اليومية ، لكن هل استثمر الجانب الايجابي من هذه العادات والتقاليد في تعزيز الروابط المجتمعية وصنع سلوك إنساني بناء ؟ للأسف اصطدم الجزء الأمثل من تلك العادات بتنامي الاجتهادات الشخصية والمصلحية من قبل بعض الشخصيات التي أطلقت على نفسها ممثلي الشعب .

ان مساوئ تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ، يمكن أن تؤدي إلى تقليص حقوق المرأة في مسائل مثل الزواج والطلاق والحضانة وما يترتب عن ذلك من تأثير سلبي على الأطفال، اضافة انها ستكون حاضنة لتزايد التمييز الديني في مجتمع متعدد الطوائف مثل العراق، مما قد يسبب انقساماً إجتماعياً لا يحمد عقباه.

من ملاحظاتنا التي سجلناها ايضا  ان التعديلات ستجعل النظام القانوني أكثر تعقيدًا وصعوبة في التطبيق، خاصة إذا تم إدخال قوانين جديدة تتعارض مع القوانين الحالية أو تفتقر إلى الوضوح، وهذا يقودنا إن أي تغيير في قوانين الأحوال الشخصية يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية ومظاهرات احتجاجية، خاصة إذا شعر جزء من المجتمع أن حقوقه أو قيمه مهددة.

وحسب آراء المتخصصين والمشتغلين في الجانب القانوني والقضائي فان طيلة سنوات العمل بقانون الاحوال الشخصية النافذ  لم تظهر أي إشكالية شرعية على الاحكام القضائية التي أصدرها القضاء ، كما ان تبرير التعديلات تحت عنوان العمل  بنص المادة (41) من الدستور التي جاء فيها ( العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون) ، فان العمل بموجب هذا النص الدستوري قائم وكل شخص حر باختيار المذهب الذي ينظم عقد زواجه.

والى جانب رأي المتخصصين نسترجع رد المرجع الديني الأعلى في النجف الأشرف سماحة السيد علي السيستاني بتاريخ 26 ايلول 2019 ، بشأن مبررات من ادعى حينها بأن المرجعية توصي بتعديل قانون الأحوال الشخصية؛ بان لا دخل للمرجعية بالدفع بالتعديل، وما غايات من تبنى التعديل  الا سياسية وانتخابية!! 

ختاما ..  مناقشة القضايا ذات البعد المجتمعي العام يجب أن تتم بعناية وبمشاركة جميع فئات المجتمع لضمان تحقيق توازن عادل بين القيم التقليدية وحقوق الأفراد، وان لا تكون ضمن نفق المزايدات السياسية والدعاية الانتخابية، والأجدر من روج لمثل هذه القضايا محاسبته ومعاقبته عبر صناديق الاقتراع ، لانه انتقل من مسؤولية التشريع والرقابة البناءة إلى مسؤولية التهديم والانقسام والتمييز . دون مراعاة ان فعله يهدد مستقبل مجتمع داخل دولة لها تاريخها وموقعها ودورها التاريخي والإقليمي .

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!