تنمية مستدامة بلا سلام !

د. نبراس المعموري

لفت انتباهي ما تضمنه تقرير الإسكوا الصادر في آذار/مارس 2024 حول التقدم المحرز في خطة 2030 الخاصة بأهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية، وإشارته إلى التحديات التي واجهتهم والتي من بينها ارتفاع نسبة الفقر وتضاعفه ليصل من 9.5% عام 2015 إلى 20% عام 2023″. و انهيار المؤسسات بسبب الحروب والصراعات الداخلية وما ترتب عن ذلك من ضعف مؤسسات الدولة وإفراغها من الكفاءات وعدم قدرتها على تقديم الخدمات العامة. اضافة إلى ارتفاع معدلات النزوح واللجوء، بسبب الصراعات في المنطقة و عيش 9 ملايين لاجئ في ظروف صعبة، و 19 مليون نازح داخلي، من بينهم مليوني نازح يعيشون في ظروف مؤلمة جدا خاصة بعد احداث “غزة ” .
يرافق ذلك كله ان نسبة 83% من بلدان المنطقة العربية تعاني من الإجهاد المائي، وما سيترتب عن ذلك من ازمة مناخية وبيئية انعكست ملامحها مؤخرا على العديد من الدول .

وامام هذه الأرقام والمؤشرات فان التقرير يؤكد احتياج المنطقة العربية إلى 60 عاما للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة ، فيما لم يتبق سوى 6 سنوات فقط على عام 2030 ! فهل فشلت الخطة ام ان أهداف التنمية المستدامة وصلت إلى حلقة مفرغة ؟

تساؤل مهم في ظل انهيار مؤشرات خطة 2030 وأزمتها العكسية ، وبالرغم من ان القائمين على متابعة وتنفيذ الخطة صرحوا في اكثر من مناسبة عن التوصل إلى مجموعة من الرسائل والتوصيات، بما فيها توصيات بشأن كيفية إدارة برامج الحماية الاجتماعية ، والاستثمار الغذائي، واعتماد الحلول القائمة على الطبيعة للتكيف مع تغير المناخ، ومكافحة الفساد وإصلاح الهيكل المالي الدولي لضمان قدرة البلدان النامية على الحصول على التمويل عندما تحتاج إليه بشكل كبير.
إلا ان هذه الرسائل والتوصيات امام التوقيتات الزمنية للخطة اثبتت فشلها في ظل ارتفاع الأزمات الإنسانية والامنية والإدارية والاقتصادية ؛ فهل المشكلة في الخطة وتنفيذها ام المشكلة اكبر من مفردة الخطة ذاتها ؟ وتساؤلي نابع من ارتفاع معدلات الأزمات ببعديها السياسي والأمني ولعل لنا في غزة والسودان خير مثال وهذا يجعلنا نحلل معايير ادارة الأزمة في ظل محاور اخرى متعلقة بالتنمية فغياب ادارة الأزمة ببعدها السياسي الدولي لن يكون منفعا ، وستبقى الخطة وفق مسارات للعمل يشوبها الاعاقة بين فترة وأخرى .

المتابع للمشهد العام من المتخصصين في السياسات العامة وإدارة الدولة والمعايير الدولية والأممية ذات العلاقة يدرك جيدا ان ال 60 عام التي عبر عنها تقرير الإسكوا .. هو دعوة لتمديد العمل لفترة مضاعفة تحت عنوان التنمية المستدامة ، ولا نعلم بعد هذا التاريخ اي تحديات ومعوقات ستظهر خاصة مع ارتفاع هاجس الخوف من تطور الذكاء الاصطناعي وانتشار الاوبئة وما خلف ذلك من تكهنات وتوقعات مخيفة !

ما اشرت له عبر المقال يشق رداء السلام الذي يطمح له اي انسان طبيعي يريد العيش بسلام ؛ فكيف لتنمية مستدامة باهدافها السبع عشر قادرة ان ترسم خططها وهي محفوفة بمخاطر اللاسلام !! فهل سيكون نقاشنا المقبل كيف يمكن تحقيق تنمية مستدامة من دون سلام ؟

شاهد أيضاً

أرصفة وحديقة بارك السعدون 

د. نبراس المعموري  تعد عملية تعديل أرصفة شوارع بغداد واحدة من مشاريع البنى التحتية التي …

error: Content is protected !!