الديكتاتورية الناعمة

نورا النعيمي

أساسها بالحفاظ على سلطتها في البلاد، وليست لديها طموحات في الخارج. وفي هذه الدكتاتورية تعتبر الأسلحة الرئيسية للنظام هي توزيع المغانم، ورشوة الجماهير الفقيرة بالاعانات الحكومية، والسيطرة على وسائل الاعلام. ولا تروج الدكتاتورية الناعمة الى أية آيديولوجيا متشددة، وبالتالي فإنها لا تقيم معسكرات اعتقال للمعارضين. ولا تدفع الملايين الى المنافي، ولا تمارس القتل الجماعي للخصوم الحقيقيين او المتخيلين. والأكثر اهمية، من وجهة نظر السياسة الدولية، أن هذه الدكتاتورية تتجنب الحرب دائما.

وفي ظل هذه الديكتاتورية
يوجد جزء من المعارضة، على الأقل، داخل البلاد، وهي تسمح ببعض الحريات، بما في ذلك المشاركة في الانتخابات التي توفر، على الرغم من ابتعادها عن النزاهة، فرصة لسماع اصوات المعارضين.
وبالتالي فإن الدكتاتورية الناعمة تشبه التهاب المفاصل. فهو يسبب ألما متواصلا للذين يعانون منه، ويمكن أن يؤدي الى اضعافهم مؤقتا، ولكنه لا يميتهم.
لكن اللطيف في هذه الديكتاتورية أنها طوعية لا قسرية، اختيارية لا جبرية، تتسلط على الشعوب وهم يصفقون لها ويهتفون باسمها. ويكون ذلك بإغداق بعض المال والكثير من الترف المعيشي من جهة، ثم خداعه بإيهاميه أنه صاحب قراره، وأن السيادة فى الدولة لإرادته، وهو من يختار حاكميه ويعزلهم عن طريق الانتخابات النزيهة التى ليست إلا عملية شراء أصوات وذمم، يصل فيها تكاليف الدعايا الانتخابية لمليارات الدولارات ليُشترى بها الإعلام والأفراد وكل شىء؛
تسميته بالاستبداد الناعم، حيث يُتسلط على الشعوب بكل يسر وبدون أن تشعر هذه الشعوب أو تدرك بأنه يُمارس عليها أى صورة من صور الاستبداد. استبداد يرفع راية الحرية ويلعن المستبدين ويكون سبيله فى ذلك بالقمع الفكري الذى لا يستخدم فيه القوة ولكن عن طريق غسيل الأدمغة وتخدير العقول وتوجيهها بسلاسة لاختيار مايريده المستبد ليحركها بشكل لا إرادي تتوهم معه الشعوب أنها هى التى تريد لا أنه يُفرض عليها إرادة غيرها.
فمن الدول الغير كتوقعه هي سويسرا– فإننا نعني بالديكتوريات الناعمة تلك القوانين والنظم التي تجعل من المرء نوع من أنواع الروبوت بحيث تفقد آدميتك وطبيعتك الفطرية الحيوانية وهكذا يتم تقيد ورصد كل شاردة وواردة في حياتك
مهما حاول البعض تجميل الوجه القبيح للدكتاتورية ومحاولة إيهام الناس كذبا أن الدكتاتورية أفضل من الديمقراطية في أوقات كثيرة، أو أن القليل من ممارسة الدكتاتورية الناعمة ينفع بلدانا وأخرى ـ مثل العراق ـ لا ينفع معها، إلا فرسان قمع من وزن الحجاج بن يوسف الثقفي لقيادتها بالحديد والنار من جديد وضبط إيقاعها المنفلت، فهذا هو الخطأ بعينه، فما جرى لنا ويجري من ضياع وانحراف عن جادة الصواب فمن بنات أفكارهم المريضة، وحكمهم الجائر، وجرائمهم بحق الإنسانية

وعادة تكون حلول الدكتاتورية الناعمة للازمات مجرد وعود لاتتحقق وغالبا تكون باسم الدين وايهام الناس بأن مطالبهم دنيوية وعليهم الاهتمام بالاخرة والجنة فهي افضل حسب اهل الدكتاتورية بكثير من الدنيا الزائلة وقد تظهر الدكتاتورية الناعمة وجهها المظلم والقبيح باستخدام الرصاص والقنابل المسيلة للدموع والخانقة للحريات في النهار ؛ واما في الليل فتنفذ ( الدكتاتورية الناعمة) عمليات الخطف والاغتيالات والاعتقالات والاقتحامات لمن يعارضها.بينما يقوم اتباع الدكتاتورية الناعمة بهدوء بتشويه سمعة من يقف مع الناس وتسعى لاسقاطهم لعزلهم عن المجتمع لكي تستمر دكتاتوريتهم.لكن هيهات فربما يكون وجه الدكتاتورية مليئا بمساحيق التجميل الوجه المزيف وخادعا لكن افعالها قبيحة جدا ومكشوفة ولا تغطي صفحاتهم ولا جيوشهم الإلكترونيه.

شاهد أيضاً

الفرد والمجتمع وكيمياء الحرية والوطن

أ. د. مزهر الخفاجي      لقد ارتبطت الحرية كمفهوم منذ الاستقرار البشري. ولقد جاد …

error: Content is protected !!