فريق التحرير- شبكة الساعة
ما تزال السجون العراقية مسرحا لانتهاكات حقوق الإنسان، بحسب شهادات لنزلاء السجون أو تقارير تصدرها المنظمات الحقوقية العراقية والدولية.
شبكة “الساعة” حصلت على إفادات جديدة من ذوي نزلاء السجون الحكومية تؤكد تعرضهم لانتهاكات مستمرة إلى جانب الابتزاز المالي من قبل إدارات السجون.
ووجه نزلاء سجن الكرخ المركزي في العاصمة بغداد مناشدات ورسائل عاجلة لشبكة “الساعة” تدعو المجتمع الدولي والحكومة العراقية للتدخل لإنهاء الانتهاكات التي يتعرضون لها.
مناشدة نزلاء سجن الكرخ
وأكدت مناشدة نزلاء سجن الكرخ معاناتهم من خروقات وانتهاكات تمارسها إدارة السجن، ومنها عدم الاهتمام بالمرضى وعدم توفير أبسط المستلزمات الطبية الضرورية لهم مما تسبب بوفاة عدد كبير من النزلاء بمعدل وفاة نزيل أو أكثر كل أسبوع بسبب التقصير والإهمال المتعمد.
وكشف النزلاء عن تسجيل حالتي وفاة لمعتقلين اثنين وهما الشاب (شهاب احمد شيحان الهزيماوي) و (أحمد إبراهيم أحمد الجبوري) خلال الأسبوع الأخير بسبب التهاب الأمعاء والمغص، وأشاروا إلى أن نزيلا آخرا واسمه (إسماعيل محمد داود المشهداني) يصارع الموت بسبب نفس الأعراض، إضافة إلى إصابة أكثر من ثلاثين نزيلا من نفس المرض ونفس الأعراض التي بسببها توفي الشابين المذكورين أعلاه من دون اتخاذ أي إجراء سريع وفوري من قبل إدارة السجن لعلاج المصابين.
كما شكا المعتقلون من شحة المياه الصالحة داخل سجن الكرخ، فضلا عن أن الماء الذي توفره إدارة السجن هو مالح وغير صالح للاستهلاك البشري وتسبب بكثير من الأمراض المعوية الخطيرة والأمراض الجلدية.
وقال النزلاء في مناشدتهم: إن “المياه وبالرغم من عدم صلاحيتها وتلوثها إلا أنها قليلة جدا حيث يتم تجهيز 120 معتقلا بـ 300 لتر كل يومين لأغراض الشرب والاغتسال والوضوء، وهذه الكمية لا تكفي حاجة النزلاء لساعات معدودة “.
ابتزاز مالي وجنسي
كما حصلت شبكة “الساعة” على شهادات حصرية من ذوي بعض المعتقلين في سجني التاجي في بغداد والحوت في الناصرية تؤكد تعرض النزلاء المحكومين وذويهم للابتزاز المالي.
يقول إبراهيم محمود شقيق أحد المعتقلين المتواجدين حاليا في سجن التاجي والصادر بحقه حكما بالسجن المؤبد: إن “إدارة السجن تسمح كل شهر بزيارة المعتقل مرة واحدة”، وأوضح أنه “يحاول في كثير من الأحيان تجنب هذه الزيارة الشهرية لأن بعض حراس السجن المعروفين بانتمائهم لفصائل مسلحة يقومون بتعذيب شقيقه بالضرب المبرح عقب كل زيارة، لأن اسم المعتقل المحكوم اسمه عمر”، حسب قوله.
وأشار إلى أن “إدارة السجن تبتز شقيقه ماليا مقابل السماح له باستخدام الهاتف والاتصال بأهله، وبين أن سعر المكالمة داخل السجن تتراوح ما بين (100-300) دولار تمنح لبعض الحراس”.
كما أفادت زوجة أحد المعتقلين في سجن الحوت بالناصرية إلى “تعرضها للتحرش من قبل بعض الحراس أثناء زيارتها التي تقوم بها مرة واحدة كل 4 أشهر”.
وقالت المواطنة التي تبلغ من العمر 32 عاما ورفضت الكشف عن اسمها أو اسم زوجها المحكوم بالإعدام بتهمة الإرهاب لشبكة “الساعة” إنها “تجري 3 زيارات في السنة برفقة والدة زوجها، وإنها تتعرض خلال هذه الزيارة إلى التحرش من قبل الحراس”، مؤكدة أنها “تسمع كلمات خادشة أحيانا، ومحاولات لمنحها أرقام الهاتف الخاص بالحراس”.
كما أكد خليل موسى شقيق معتقل آخر في سجن الناصرية يبلغ من العمر 51 عاما أن “شقيقه المحكوم بـ 15 عاما بتهمة كيدية تتعلق بالإرهاب يتعرض للابتزاز المالي بشكل مستمر”، مبيناً أن “شقيقه يضطر لدفع مبلغ مالي يصل لنحو 250 ألف دينار شهريا من أجل الحصول على العلاجات الخاصة بأمراض القلب والتي وصلت إلى إدارة السجن من قبل ذوي الموقوف، حيث يستولي عليها بعض الحراس ويقومون ببيعها على المعتقل”، حسب قوله.
ولفت إلى أن “بعض الحراس يبيعون بعض المواد الغذائية والماء الصالح للشرب في السجن للنزلاء مقابل مبالغ مالية بعد أن يخصصون كميات قليلة جدا لهم من الطعام والشراب”.
أعداد المعتقلين
وتؤكد لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب تسجيل خروقات وانتهاكات داخل السجون الحكومية، كاشفة لشبكة “الساعة” عن أعداد النزلاء في السجون العراقية والمبالغ المالية التي تكلف الدولة جراء اعتقالهم يوميا.
وقال رئيس اللجنة أرشد الصالحي في تصريح لشبكة “الساعة”: إن “الانتهاكات ما تزال تسجل في السجون العراقية ولا سيما فيما يخص عمليات ابتزاز المعتقلين والاكتظاظ داخل السجون”، مبينا أن “أغلب السجون في العراق لا يتطابق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
وأضاف الصالحي: أن “السجون الحكومية تضم حاليا أكثر من 80 ألف نزيل وموقوف” مبينا أن “هؤلاء النزلاء يكلفون الدولة أعباء مالية كبيرة، حيث أن المعتقل الواحد يكلف الدولة نحو 11 دولارا في اليوم الواحد كأجور للطعام والشراب وغيرها”.
وشدد على أن “لجنته تؤكد على ضرورة التخفيف من أعداد المعتقلين والحد من مشكلة اكتظاظ السجون عبر إطلاق قانون العفو أو عبر تخفيف الأحكام ولا سيما عن المحكومين الذين أمضوا أكثر من نصف مدة المحكومية”.
الصالحي أكد على “ضرورة تمرير قانون العفو العام للحد من الاكتظاظ في السجون، وإنهاء ملف المعتقلين الأبرياء الذين من المفترض أن يشملهم القانون”، مبينا أن “القانون حاليا يخضع للنقاش بين القيادات السياسية الشيعية والسنية”.
وكشف عن أن “القوى الشيعية ما تزال رافضة لتمرير قانون العفو العام على اعتبار أن المتهمين بقضايا الإرهاب يجب عدم منحهم فرصة للعفو”.
انتهاكات بشكل جديد
من جهته يرى المحامي محمد عبد الله أن الانتهاكات في السجون العراقية متواصلة منذ سنوات رغم أنها تأخذ أشكالا مختلفة.
وقال عبد الله في حديث لشبكة “الساعة”: إن “الانتهاكات في الوقت السابق كانت تسجل أثناء عملية التحقيق، حيث يتم مساومة المتهمين ولا سيما في قضايا الإرهاب على مبالغ مالية كبيرة مقابل الإفراج عنهم”، مبينا أن “المتهم الذي لا يدفع مبلغا ماليا للمحققين توجه التهم له بارتكاب جرائم القتل والتفجير والإرهاب وغيرها”.
وأضاف: أن “عمليات الابتزاز الحالية تغيرت، وتتمثل حاليا بمساومة الموقوفين على الماء والأدوية والأغذية مقابل مبالغ مالية”، مشيرا إلى أن “العديد من الشكاوى ترد من المعتقلين بشأن هذه الانتهاكات، ولكن السلطات لا تتخذ أي إجراءات للحد منها”.
غياب الرقابة والمساءلة
الحقوقي والمتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان العراقية السابقة علي البياتي أكد أن السجون في العراق من المفترض أن تكون إصلاحية لكنها أصبحت سجون عقابية فقط والعقاب فيها مضاعف تفرضه الجهات المسؤولة عن السجون.
وقال البياتي في حديث لشبكة “الساعة”: إن “ملف الانتهاكات في السجون الحكومية لم يأخذ أي اهتمام خلال الحكومات المتعاقبة على الرغم من أن هذا الملف يعكس مدى اهتمام مؤسسات الدولة التنفيذية بحقوق الإنسان”.
وأضاف البياتي: أنه “بمجرد اعتقال المتهم في العراق تبدأ سلسلة من الانتهاكات في مراكز الاحتجاز وأثناء التحقيق مرورا بإجراءات تطبيق العدالة والمحاكمة وصدور وتنفيذ الحكم، حيث يتعرض المعتقل إلى انتهاكات التعذيب وسوء المعاملة على مختلف الأصعدة”.
وتابع أن “استمرار الانتهاكات في السجون تشمل قضيتين اثنتين، الأولى تتمثل بغياب الرقابة وانعدامها بشكل كامل، حيث أن السجون تترك لسلطة الجهات المتنفذة التي تستغل السجون ومراكز الاحتجاز لأغراض سياسية وشخصية، والثانية تتمثل بغياب المساءلة على الرغم من الكشف عن حالات الانتهاكات أمام الرأي العام، حيث تكتفي السلطات بتشكيل اللجان دون أن تتوصل إلى نتائج أو أن تؤدي تلك اللجان إلى محاسبة المتورطين بجرائم الانتهاكات”.
وأوضح البياتي أن “السجون تشهد جملة من الانتهاكات منها التعذيب وسوء المعاملة والأغذية والمكان والاكتظاظ في السجون”، مبينا أن “السجون تحولت من مؤسسات إصلاحية إلى مؤسسات عقابية مركبة يتم فيها معاقبة المعتقلين بحسب مزاج المسؤولين المتنفذين في السجون”.
وشهدت البلاد بعد 2003 زج آلاف العراقيين داخل السجون، بسبب التهم الكيدية أو ما يعرف بالمخبر السري. واندرجت غالبية تلك القضايا التي أثيرت ضدهم في إطار العداوات الشخصية والتصفيات السياسية والطائفية، وسط أجواء غير صحية داخل السجون وانتزاع اعترافات تحت وطأة التعذيب.
وقال المتحدث الرسمي لوزارة العدل كامل أمين في وقت سابق إن نسبة الاكتظاظ بالسجون وصلت إلى 300%”، لافتًا إلى أن “الطاقة الاستيعابية تتجاوز الـ 25 ألف سجين، وهناك أكثر من 70 ألف معتقل داخل السجون الحكومية ومن الصعب السيطرة على هذه الأعداد”.
وتتصاعد المناشدات الحقوقية المحلية والدولية لإيقاف الانتهاكات داخل السجون الحكومية والتي تعاني إهمالًا كبيرًا وغيابًا للدور الرقابي من قبل الجهات المعنية، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
وتشهد السجون في العراق تعذيبًا نفسيًا وجسديًا، يتفنن فيه السجانون بإذلال المعتقلين وتعنيفهم، وسط غياب أبسط الحقوق لهؤلاء الضحايا وفق ما تؤكده تقارير حقوقية وشهادات الضحايا أنفسهم.