صراع جدلية الأفكار 

د. نبراس المعموري 

تتباين مسارات المجتمعات حسب تنوعها وتوجهاتها وأهدافها مستأثرة بالبيئة ومحركاتها في تصاعد وتنازل مستمر ، قابضة بذلك على من يحملون على عاتقهم حقيبة جدلية الأفكار في محاولة لإيجاد الحلول وهندسة المستقبل .

وبهذا الصدد يقول الفيلسوف الألماني هيغل يُوجد لكل فكرة (إطروحة) و فكرة مُناقضة لها سماها “بالنقيض” والصراع بين الفكرتين عبر التاريخ والأجيال يُولد فكرة جديدة توافقية بينهما سماها (النتيجة)، والأخيرة ليست حقيقة ثابتة بل ستصبح يوماً ما أيضاً أطروحة يُقابلها نقيضها. وتفسير ذلك أنه لا يُوجد فكرة ثابتة أبدية تصلح لكل زمان ومكان، بل تُصنع وتُولد الأفكار دائماً عبر النقاش وحسب الاحتياجات . 

جدلية الأفكار في ظل مسارات التغيير السريع وارتفاع مناطق القلق وعدم الاستقرار وانبعاث الأحقاد والصراعات عالمياً قادتني للبحث لما يترتب عنها حتى في طروحاتها ؛ فمحركاتها المتمثلة بالأشخاص اخذوا يتبنون رؤى وطروحات متأثرة بعوامل خارجية و داخلية افتقدت الموضوعية والعقلانية ومثلت انتكاسة فكرية مقصودة او غير مقصودة . 

قد يبدو كلامي فلسفيا نوعا ما ! لكن ما جعلني اخط سطوري، هو ما يحصل لدينا حالياً عند طرح البعض من المتخصصين افكارهم ، والنقاشات التي تدور حول تلك الأفكار في مناسبات عدة قد تتحول إلى صراع افتقد الحياد والعلمية بخلعه عقلانية النقاش وارتداء العناد والإصرار المبرر وغير المبرر ، وهنا كيف يمكن لجدل عقيم ان يولد أطروحة ونقيضها ومن ثم نتيجة ؟ 

هذا النوع من الجدل قفز على مسميات المفردات وجعل فلاسفة الحاضر يؤمنون ان المناطق بزعاماتها أصبحت الفيصل في انتاج الأفكار بطرق ملتوية وحسب المصالح بأبعادها كافة . قد يكون التطور السريع وتعدد المصالح زاد من عجلة كل شيء ؛ لكن هل تعتقدون ان السرعة في تبني افكارنا ورؤانا وترويجها بمعزل عن النقاش الثري والنوعي بعيدا عن الصراع سيحمينا من سرعة ما يترتب عن ذلك ؟

في منطقتنا العربية تتهافت الأفكار بسرعة غريبة غير مكترثة لنقيضها و باحثة عن الانتشار دون ان تعي ان التريث في طرحها بعد تأطيرها بنقاش بناء وفق الاحتياجات والتخصصات سيجعل محيطنا اكثر أماناً واستقرارا .

رسالة لمن يخططون ويرسمون افكارهم وفق جدلية (أنا دون غيري ) .. بريق الانتشار جميل لكن سيزول بسرعة ان لم يكن معجونا بافكار وطروحات ونقاشات ونتائج بناءة وفق معادلة عقلانية الاطروحة ونقيضها واختلاف البيئات والتخصصات والتوجهات والاحتياجات .

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!